قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أمس، إن لبنان «يتطلع بأمل واعتزاز الى انتخابه للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن للفترة 2010-2011، وذلك بدعم واسع، على ما نتمناه، من الدول الشقيقة والصديقة». وأشار إلى أن «لبنان يتقدم من هذا الاستحقاق بثقة، فهو عضو مؤسس لهذه المنظمة الدولية الجامعة، وشارك بصورة فاعلة في صوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وساهم شعبه منذ آلاف السنين في الحركة المكونة للحضارة، فابتدع عناصر أبجدية متقدمة للتخاطب والتعامل والتحاور بين الأمم والشعوب، وجال البحار بحثاً عن آفاق جديدة للتعاون والتواصل، كما اضطلع بدور ناشط في نشر مبادئ الحرية والديموقراطية وتعميق مفهوم العروبة وبناء مداميك النهضة الفكرية والأدبية في العالم العربي». وجدد سليمان التزام لبنان «ميثاق الأممالمتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، واستعداده للمساهمة بمسؤولية وجدية خلال السنتين المقبلتين في مداولات مجلس الأمن وقراراته ولا سيما ما يخدم منها قضية الأمن والسلم في الشرق الأوسط، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناقشات المتعلقة بإصلاح الأممالمتحدة ومؤسساتها كي تصبح أكثر قدرة على رفع التحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر». وأضاف سليمان: «إن مثال العيش المشترك الذي يقدمه لبنان، والذي يسمح للطوائف المختلفة بالمشاركة الفعلية في الحياة السياسية ضمن إطار صلب من الديموقراطية وحرية التفكير والتعبير، يناقض نظريات التطهير العرقي أو الديني أو أي عقيدة تدعو الى فرض الرأي الواحد ونمط العيش الواحد»، مذكّراً بدعوته العام الماضي الى «جعل لبنان مركزاً دولياً معترفاً به لحوار الحضارات والاديان والثقافات، بما يتناسب مع دوره كجسر تواصل بين الشرق والغرب، ومع رسالته بلد تعيش وتتفاعل على أرضه ثماني عشرة طائفة مختلفة بصورة فريدة ومميزة». التمسك بمبادرة السلام العربية واعتبر سليمان أن «من أولى المهمات المنوطة بمجلس الامن العمل على حماية الامن والسلم الدوليين، ومن المؤسف فعلاً أن يبقى شرقنا العربي الذي نشأت في رحابه الديانات السماوية الثلاث، مركزاً رئيسياً من مراكز التوتر والنزاعات والحروب، وذلك منذ أن حلت النكبة في فلسطين عام 1948، ومذ هجر أهلها»، مشدداً على أن «أي حل لقضية الشرق الأوسط يتطلب بطبيعة الحال تصوراً مسبقاً ومتكاملاً لهذا الحل، الذي باتت تتوافر عناصره الرئيسية في قرارات الشرعية الدولية وفي مرجعية مؤتمر مدريد والمبادرة العربية للسلام، ويتطلب قبل كل شيء توافر إرادة سياسية فعلية لدى الاطراف بالجنوح نحو السلام والتزام موجباته». وأوضح أن «مثل هذه الارادة غير متوافرة لدى الجانب الاسرائيلي، حيث ما زال النقاش جارياً على المستويين الحكومي والشعبي، في شأن صوابية السلام العادل وجدواه، فضلاً عن التهديدات الإسرائيلية المتمادية بشن الاعتداءات والحروب كوسيلة من وسائل فرض السيطرة والهيمنة وتكريس الأمر الواقع، هذا إن لم يكن بهدف التوسع والتهجير وهضم المزيد من الحقوق الفلسطينية والعربية، بينما توافقت الدول العربية من جهتها على تقديم مبادرة متكاملة للسلام أقرتها بالإجماع في قمة بيروت عام 2002»، داعياً المجتمع الدولي إلى «المباشرة باعتماد أساليب الضغط المناسبة لإلزام إسرائيل بالإيفاء بموجباتها الدولية تجاه عملية السلام، وذلك ضمن مهل زمنية محددة ومعقولة، وفقا لما دعت إليه القمة العربية الأخيرة في قطر، وإلا، كيف سيكون بمقدورنا إقناع شعوبنا بأن في استطاعة المجتمع الدولي فرض حل شامل وعادل لمختلف أوجه النزاع في الشرق الأوسط بما في ذلك الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، إذا لم يتمكن لغاية الآن من أن يرغم إسرائيل على الكف عن بناء المستوطنات ورفع الحصار الجائر عن غزة ووقف تهويد القدس؟». وخاطب سليمان الحاضرين قائلاً: «أنتم تعرفون كيف تمكن لبنان من تحرير معظم أراضيه من الاحتلال الإسرائيلي ربيع العام 2000، بعدما تمنعت إسرائيل عن تنفيذ القرار 425 القاضي بانسحابها الفوري وغير المشروط من كامل الأراضي اللبنانية، طوال اثنتين وعشرين سنة متتالية». وتوقف عند الذكرى الستين لإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، واكد «أن حل قضية هؤلاء اللاجئين سياسي قبل كل شيء، مع دعمنا الكامل لأي جهد يهدف الى تعزيز برامج الوكالة وقدراتها، تمكيناً لها من تحسين الأوضاع المعيشية والإنسانية للاجئين، بالتعاون مع الدول المضيفة، بانتظار إيجاد الحل العادل والنهائي لمأساتهم». وأوضح أن «مثل هذا الحل لا يمكن أن يتنكر بالتأكيد لحقهم الطبيعي والشرعي في العودة الى أرضهم. كذلك لا يمكن أن يتم بمعزل عن الدول المضيفة، أو بصورة متعارضة مع سيادتها وأوضاعها الخاصة ومصالحها القومية، من هنا رفض لبنان لأي شكل من أشكال توطين الفلسطينيين على أراضيه، حفاظاً على حقهم في العودة، والتزاماً منه بما ينص عليه دستوره وميثاقه الوطني، وهو موقف لن يساوم عليه ولن يتراجع عنه»، معرباً عن «امتناننا للدول التي بدأت تظهر تفهماً للموقف اللبناني واستعداداً للدفاع عنه». استقرار لبنان الداخلي وقال سليمان: «تمكن لبنان خلال السنة المنصرمة من المحافظة على استقراره الداخلي، وتفكيك شبكات تجسس إسرائيلية وخلايا إرهابية عدة، والمثابرة على تنفيذ القرار 1701، وتعزيز علاقاته مع الدول الصديقة والشقيقة، وإجراء انتخابات نيابية شهد العالم على شفافيتها ونزاهتها واعترف بنتائجها جميع المشاركين فيها. وكذلك تمكن من تعزيز صدقيته وتلافي تداعيات الأزمة المالية العالمية عليه، واستقطاب المزيد من السياح والمستثمرين، ورفع معدل النمو الى ما يقارب ال 6 في المئة، وهو يستعد لاستضافة الدورة السادسة للألعاب الفرنكوفونية في بيروت بعد أيام». وأضاف: «إذ تأخذ المشاورات الحكومية مداها وفقاً لأحكام الدستور ولما تستلزمه مقتضيات البحث عن التوافق الوطني، فإننا نتطلع الى قيام حكومة وحدة وطنية في أقرب الآجال، تسمح بإعادة إطلاق عجلة الحكم ومباشرة ورشة الإصلاحات السياسية والإدارية والقضائية التي يطمح إليها اللبنانيون وتخدم بالنتيجة شعبها لا سلطتها، فتنجح وتستمر». وزاد: «في موازاة ذلك، وفي الذكرى الثالثة لتبني مجلس الأمن القرار الرقم 1701، يؤكد لبنان ضرورة استمرار السعي لإرغام إسرائيل على التزام كل مندرجات هذا القرار، ولا سيما الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، ووقف خروقاتها اليومية للسيادة اللبنانية، وتهديداتها المتمادية ضد لبنان ومؤسساته وبنيته التحتية»، منوهاً ب «الدور الذي تضطلع به قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وفقاً لقواعد الاشتباك المتفق عليها، وباستمرار التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني، مؤكداً حرصه على سلامة هذه القوات، ومثمناً جهود قائدها وعناصرهم وتضحياتهم في خدمة قضية السلام والاستقرار. وأكد أن «لبنان لن يتوانى عن المضي في الدعوة والسعي الى إلزام إسرائيل دفع التعويضات المناسبة عن الأضرار البالغة التي تسببت بها اعتداءاتها المتكررة ضد لبنان بما في ذلك الأضرار الناجمة عن البقعة النفطية التي انتشرت جراء القصف الإسرائيلي على محطة الجية الحرارية صيف العام 2006». وشدد سليمان على أن «تجارب السنوات ال61 السابقة أثبتت أن قضية فلسطين هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وأن اللجوء الى القوة من قبل إسرائيل لفرض الأمر الواقع لا يجدي، ولن يوهن إرادة الشعب العربي وتصميمه على استرجاع حقوقه، وأن الحلول الجزئية والمنفردة لا تنتج سلاماً حقيقياً. والحلول البعيدة عن العدالة لا تدوم». وقال: «مهما اتخذت الصراعات والأزمات في السابق طابعاً محلياً أو إقليمياً، فإن أي أزمة أو صراع اليوم في ظل العولمة بات صراعاً شاملاً أو ذا أبعاد شاملة، كما يتبين ذلك على سبيل المثال من ظاهرة الإرهاب الدولي ومن تداعيات الأزمة المالية العالمية ومن الأمراض المتنقلة من قارة الى أخرى. لم تكن الحروب منذ عصور غابرة الى زمننا اليوم، سوى معاناة مأسوية مؤلمة ومكلفة تغمرها، كما في أشرس الملاحم، الدماء والدموع والخيبات»، آملاً بان «تستمر الأممالمتحدة التي أنشئت في الأصل لتلافي الحروب وحل النزاعات بالطرق السلمية، في صلب المسعى الدولي الناشط وغير المحايد لإحقاق الحق وتكريس العدالة». لقاءات رئاسية وكان سليمان واصل لقاءاته مع عدد من القادة والرؤساء العرب، والتقى في مقر البعثة القطرية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وتمنى الشيخ حمد ان «يواصل القادة اللبنانيون تفاهمهم ويسرعوا في تشكيل حكومة تنهض بالبلاد وتواجه التحديات المقبلة والاستحقاقات الداخلية والخارجية». والتقى سليمان في احد المكاتب التابعة للجمعية العمومية الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الذي تمنى «تشكيل حكومة في اقرب وقت ممكن»، مجدداً دعم بلاده لبنان ومساعدته في كل المجالات وعلى شتى المستويات. كما اجتمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أطلعه على أجواء اللقاء الثلاثي مع الرئيس الاميركي باراك اوباما ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، مشيراً الى ان «الأمور بحاجة الى المزيد من التشاور والاتصالات». وجدد التأكيد ان «الفلسطينيين لن يخرجوا عن دائرة القوانين اللبنانية». وطمأن سليمان الرئيس الفلسطيني الى حرصه الشخصي اولاً وحرص اللبنانيين على «علاقة الاخوة القائمة ووجوب استمرار التعاون والتنسيق لمنع تحول المخيمات الفلسطينية في لبنان الى بؤر فتنة وارهاب». وتشاور سليمان أيضاً مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في «الدور الذي تقوم به تركيا في تحسين العلاقات بين دول المنطقة وخصوصاً على المستوى العربي - العربي». وكذلك التقى سليمان الرئيس النمسوي هاينز فيشر ورئيس البوسنة والهرسك زلجكو كومستش، ووزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ووزير خارجية الامارات عبد الله بن زايد.