حمد العيسى مهندس التخطيط في قطاع النفط السعودي الذي تقاعد باكراً ليتفرغ للكتابة والترجمة، إذ أصبح أحد الأسماء المهمة في عالم الترجمة، من خلال الكتب النوعية التي يصدرها تباعاً، مثل «النصوص المحرمة: مالكوم إكس وآخرون» و«عقل غير هادئ» و«ضد النساء: نهاية الرجال وقضايا جندرية أخرى» و«نهاية الرواية وعودة السيرة الذاتية» و«حتى لا يعود جهيمان»، وكذلك كتابه الأخير بعنوان: «قصص لا ترويها هووليود»، وسبق أن أصدر مجموعة قصصية وحيدة بعنوان: «أسبوع رديء آخر». «الحياة» التقت العيسى وحاورته حول الترجمة وشجونها وحول أعماله الجديدة، فإلى نص الحوار: نلت قبل أعوام درجة الدكتوراه في «الترجمة العامة إنكليزي - عربي» من جامعة لندن، وكان بحثك بعنوان: «ترجمة الكتب في العالم العربي الأزمة وحلول مقترحة».. هل ترى نوراً في آخر النفق، وكيف ترى مستقبل الترجمة في العالم العربي؟ - للأسف أنا متشائم بخصوص مستقبلها في العالم العربي، لأن حاضرها متخلّف ومنحط في صورة يستحيل إصلاحها تقريباً من دون معجزات سماوية، وأقصد أنه قبل الحديث عن مستقبل الترجمة لا بد من الحديث عن الاقتصاد، لأنه المحرك الرئيس لكل ما يجري في المجتمعات البشرية، فالدول المنهكة اقتصادياً مثل جميع الدول العربية - بخلاف دول الخليج - لا تملك رفاهية صرف الأموال بسخاء على الثقافة في صورة عامة والترجمة بخاصة، وسأقدم مثالاً واحداً لما أقصده: إجمالي الناتج المحلي (GDP) لجميع الدول العربية (22 دولة) بمجموع 400 مليون نسمة، بالكاد يساوي مثيله لإسبانيا (47 مليون نسمة)، وهي من دول العالم الثاني وتحتل المرتبة ال13 في العالم من حيث القوة الاقتصادية، ولكن إذا استثنينا النفط والغاز تصبح الصورة حالكة بصورة تجلب الكآبة، لأن إجمالي الناتج المحلي لجميع الدول العربية يصبح للأسف «أقل» من مثيله لدولة أوروبية واحدة متناهية الصغر، مثل فنلندا (5.4 مليون نسمة). وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى تعليق لأن اللبيب بالإشارة يفهم. هذا عن الاقتصاد، أما عن الترجمة فيكفي أن نعلم أن دولة أوروبية صغيرة مثل اليونان (11 مليون نسمة) تترجم كتباً أكثر من العالم العربي بأكمله بأربعة أضعاف، كما أن جميع الدول العربية تترجم أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون نسمة، مقارنة بأكثر من ألف كتاب لكل مليون نسمة في البلدان المتقدمة. ما الذي يمكن أن يساعد في عملية إنعاش الترجمة؟ - في رأيي أن أهم عامل سيساعد في إنعاش الترجمة على المدى الطويل وزيادة إنتاجها لعلنا نلحق بالعصر، تعليم اللغات - وبخاصة الإنكليزية - لأنها أهم لغة عالمية، ويؤكد تقرير ل«يونيسكو» أن 85 في المئة من المعرفة البشرية مكتوبة بها، ولكن للأسف تعليم اللغات ضعيف جداً في المدارس الحكومية العربية، ولذلك يلجأ الناس في معظم الدول العربية إلى المدارس الخاصة، وهذا ما فعلته شخصياً مع أبنائي، وبدأت أشعر بالفعل أخيراً بأن الأموال الهائلة التي دفعتها لم تذهب هباء، لأنهم أصبحوا يتقنون الإنكليزية بصورة أفضل مني بكثير، عندما كنت في سنهم وأدرس في مدرسة حكومية، بل لا مجال للمقارنة. وبهذه المناسبة، أود أن أشير إلى أننا في العالم العربي نكاد نتفرد بظاهرة سلبية عالمية فريدة تسمح بحصول طلاب على شهادات عليا (ماجستير ودكتوراه) من دون إتقان لغة العصر الإنكليزية. وهذه الظاهرة ملموسة للغاية في الجامعات الإسلامية، وكأن كونها إسلامية يتعارض مع تعلم اللغات، وهذا الأمر يؤدي إلى نتائج سلبية لا أظن أن حوارنا مخصص للحديث عنها. دعني أؤكد لك أن كلية هارفارد لعلم اللاهوت (Harvard Divinity School) أي ما يماثل جامعة الأزهر في العالم العربي، تشترط على طالب الدكتوراه الأجنبي قبل قبوله إتقانه الإنكليزية 100 في المئة بصورة تامة قراءة وكتابة وتحدثاً، بل وتشترط معرفة جيدة بواحدة من اللغات القديمة، مثل اليونانية أو العبرية أو اللاتينية أو السنسكريتية. سيقول قائل: ولماذا تقارننا بهارفارد وهي أفضل جامعة في العالم؟ فأجيب: حسناً، دعونا ننسى ونتجاهل اللغات القديمة ونشترط فقط إتقان لغة العصر الإنكليزية، وعدم السماح بتخرج طلاب الدراسات العليا في جميع التخصصات من دون اجتياز امتحان «التوفل» بتفوق، وهذا أضعف الإيمان في نظري، وأقترح أن يتم حثّ الحاصلين على الماجستير والدكتوراه في المجالات كافة على ترجمة أطروحاتهم بأنفسهم إلى الإنكليزية قبل حصولهم على وظائف. يبدو لي أنك تتبنى وبمجهود ذاتي مشروعاً للترجمة يهدف إلى اختيار نوعيات مما يترجم، تتميز بكونها تقع غالباً على هامش المؤسسات، إذا كنت تتفق مع هذه الرؤية فأود أن تحدثني عما يدفعك لترجمة مقالة أو كتاب، خصوصاً كتاب النصوص المحرمة وكتاب «قصص لا ترويها هووليود»! - لا أود أن أزعم أن لدي مشروعاً لأنه ادعاء أكبر مما أتحمله، ولكن يمكنني القول إن ما أترجمه يخضع لعاملين مهمين بالنسبة لي، أولاً ذوقي الشخصي، وثانياً جودة المادة ووجود فائدة وإضافة ملموسة للناس وبخاصة النخبة. كيف تنظر إلى الجوائز الخاصة بالترجمة في العالم العربي؟ - أهم جائزتين بحسب معلوماتي هما جائزة خادم الحرمين للترجمة، وجائزة الشيخ زايد، وهما من دون شك مبادرتان مهمتان، وأصبحتا ذات شهرة كبيرة ومحط أنظار واحترام المترجمين العرب وغيرهم والمثقفين بصورة عامة، ولكن لي رأي متواضع، وهو أن الجوائز وحدها لا تكفي لإنعاش عملية الترجمة، بل لا بد من مبادرات وبرامج ومؤسسات إضافية تدعم عملية الترجمة، وتسهل ترويج منتجاتها النادرة مثل «عالم المعرفة»، الذي يرعاه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، إذ تدعم الكتب المترجمة مالياً لتصبح رخيصة الثمن مقارنة بالكتب المؤلفة، فهذا من شأنه أن يزيد حماسة واجتهاد المترجمين لتقديم عطاء أفضل، ومن إقبال القراء على الكتب المترجمة، كما أقترح تطوير جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة لتصبح مؤسسة متكاملة، ترعى عملية الترجمة في العالم العربي وبمثابة قوة ناعمة جبارة للسعودية. هناك أيضاً مشروع كلمة، وهو بلا شك مبادرة رائدة ومشرفة وتستحق الشكر والإشادة والعرفان، وأستطيع أن أقول إن تبلور واستمرار ونجاح مثل هذا المشروع الرائد، يمكن اعتباره إنجازاً «سياسياً» تقدمياً مهماً بكل ما في كلمة «سياسي» من معنى، فالرواية أو المسرحية أو القصيدة العظيمة من ثقافة أخرى، تسمح لنا بتأمل الرابط الإنساني المشترك بين جميع البشر من دون اعتبار لجنسياتهم أو أعراقهم وغيرها من الفروقات التي تقف حاجزاً بينهم، وهذا بالتالي وعلى المدى الطويل يقلل من احتمالات النزاعات، وبالتالي يخلق بيئة تقرب بين الدول والأديان والحضارات، وأود أن أؤكد على عدم استعجال النتائج الإيجابية، لأن هذا المشروع وأمثاله يحتاج لأعوام طوال لكي نبدأ في رؤية النتائج المرتجاة. مسرحية وارث الريح لجيروم لورنس وروبرت لي هي النص الأدبي الوحيد الذي قمت بترجمته، على رغم أنك تكتب القصة ولديك مجموعات قصصية. لماذا توقفت عن ترجمة الأعمال الأدبية بعد «وارث الريح»؟ - فضلت عدم خوض تجربة الترجمة الأدبية لكثرة المترجمين المتنافسين عليها وللصعوبة التي واجهتها في نشرها وتوزيعها. أفضل التركيز على ترجمة كتب تحوي مختارات ثقافية نوعية من اختياري، وذات وحدة موضوعية كما فعلت في «النصوص المحرمة» و«قضايا أدبية» و«ضد النساء» و«قصص لا ترويها هوليوود» وقريباً «زمن الفتنة»، وهو توجه وجدته يفيد القارئ أكثر من الترجمة الأدبية للرواية أو الشعر، أي أنني أفضل أن أكون مترجماً ثقافياً شاملاً بدلاً من حصر نفسي في مجال الأدب. أصدرت مجموعة قصصية بعنوان: «أسبوع رديء آخر».. هل سنرى لك عملاً قصصياً أو روائياً في القريب؟ - لست مستعداً لكتابة الرواية، ولكن لدي خطة مؤجلة لكتاب قصص قصيرة بعنوان موقت: «نوستالجيا» وكتاب قصص قصيرة جداً «100 قصة قصيرة جداً». ما جديدك لعام 2014؟ - ترجمت ثلاثة كتب في عام 2013، وستصدر في العام 2014 وعناوينها «السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» (دراسة استراتيجية)، و«زمن الفتنة» (دراسات تاريخية وسياسية مختارة عن النزاع الشيعي - السني أو السني - الشيعي)، والثالث «قبل سقوط الشاه.. بقليل» (دراسة تاريخية اقتصادية سياسية عن سقوط الشاه مع وثائق نادرة)، كما انتهيت من عمل تنقيح وإضافات لكتابين مترجمين سابقين يصدران خلال النصف الأول من عام 2014، وهما الطبعة الثالثة من «حتى لا يعود جهيمان» والثانية من «قصص لا ترويها هوليوود».