مارس خبراء صندوق النقد الدولي لعبة حبس الأنفاس، عندما حذروا من «ندوب» تخلفها الأزمات المالية في اقتصادات الدول، تحد قدرتها على النمو في المدى المتوسط. لكنهم امتنعوا عن الكشف عن أي تقديرات للنمو في النسخة الجديدة من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي المتوقع تعديلها رفعاً قبل إصدارها في مناسبة الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد والبنك الدولي في أنقرة بداية الشهر المقبل. في المقابل انضم كبير الاقتصاديين السابق لدى صندوق النقد مايكل موسى إلى عدد من المحللين الأميركيين المستقلين، الذين أعلنوا انتهاء الركود العالمي في شكل حاسم منتصف هذه السنة. وتوقعوا أن ينتقل الاقتصاد الدولي، مدعوماً بالاقتصادات الصاعدة وبأداء يفوق التوقعات من الاقتصادات المتقدمة، إلى النمو الإيجابي في النصف الثاني من السنة، وأن يحقق نمواً قوياً عام 2010 وفي السنوات اللاحقة. وخفف خبراء صندوق النقد من خطورة تحذيرهم، بالتشديد على أن تجارب 88 أزمة مصرفية ضربت الاقتصادات المتقدمة والصاعدة والنامية في العقود الأربعة الأخيرة، تؤكد أن الآثار الاقتصادية البعيدة المدى للأزمات المالية «ليست أمراً حتمياً»، فأشاروا إلى أن بلداناً لم تنجح في تفادي انكماش طاقتها على النمو فحسب، بل تابعت لتحقق وتيرة نمو أعلى مما كانت قبل الركود. واعترف خبراء دوليون بصعوبة التنبؤ ب «ديناميات» النمو بعد الأزمات، لكنهم أوضحوا أن التجارب السابقة تكشف عن دلائل توحي بأن البلدان التي تبادر إلى انتهاج سياسات حفز على مستوى الاقتصاد الكلي، مثل الإنفاق العام وضخ السيولة في الأسواق المتأزمة وخفض الفائدة في فترة قصيرة من تفجر الأزمات، إنما تقلل من حجم الخسارة المحتمل أن تتكبدها في طاقة اقتصاداتها على النمو في المدى المتوسط. وخلص خبراء صندوق النقد في الفصول التحليلية من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أول من أمس، إلى أن من شأن السياسات الحافزة المالية والنقدية القوية، التي طبقتها البلدان المتقدمة في معالجة أزماتها المصرفية الأخيرة، أن تخفف من الآثار الطويلة الأجل للأزمة العالمية على أداء اقتصاداتها، لكنهم شددوا على أهمية تطبيق إصلاحات تساهم في تعزيز النمو. لكن موسى الذي اعتمد في توقعاته أيضاً على التجارب المصرفية العاصفة منذ ثلاثينات القرن الماضي وانعكاساتها الاقتصادية، لاحظ أن الركود الاقتصادي الحاد لا يأتي في الغالب إلا ويتبعه انتعاش قوي، بغض النظر عما إذا كانت الأزمات المصرفية إحدى مسبباته أو كلها، مبرزاً الدور المهم الذي يلعبه الانتعاش في معالجة الأزمات المالية وأقله وضعها على طريق الحل. وانفرد موسى، كبير الاقتصاديين في «معهد بيترسون،» والمحللون الاقتصاديون المستقلون، بتوقع انتقال الاقتصاد العالمي والاقتصادات المتقدمة، لا سيما الاقتصاد الأميركي، في العام المقبل، إلى وتيرة نمو قوية تفوق أحدث التوقعات التي أصدرها صندوق النقد في تموز (يوليو) الماضي، متوقعاً للاقتصادات العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مضاعفة نسبة النمو المرجح أن تحققها هذه السنة مستفيدة من تحسن أسعار النفط. وذكر موسى أن تحسن أداء الاقتصادات الصاعدة والنامية، لن ينقذ الناتج العالمي الحقيقي (المقوم بالأسعار الثابتة لعام 2005) من الانكماش بنسبة 1.1 في المئة هذه السنة، إلا أن استمرار ارتقاء هذه الاقتصادات وتحسن الاقتصادات المتقدمة سيرفعان النمو العالمي إلى 4.2 في المئة عام 2010، في مقابل 2.5 في المئة في توقعات الصندوق قبل التعديل. واستخلص موسى من درس مقومات النمو المتاحة، أن الاقتصادات المتقدمة ستحقق مفاجأة كبرى برفع نسبة نموها إلى 3.3 في المئة العام المقبل، معززة بارتفاع نسبة نمو الاقتصاد الأميركي إلى 4 في المئة، في وقت توقع صندوق النقد في تموز أن تعجز الاقتصادات المتقدمة، منها الاقتصاد الأميركي، عن النمو بنسبة تزيد على 0.8 في المئة عام 2010 بعد الانكماش بنسبة 3.3 و2.4 في المئة على التوالي هذه السنة.