تحتار أنت كمواطن، إذا كانت وزارة الإسكان هذه جاءت لخدمتنا أم لأجل أن ترفع لنا «الكولسترول» و«الضغط»، وتزيد من نسبة «السكر» في الدم، فمنذ أن أوجد هذا الجهاز الحكومي، وهو مشغول في التكيف مع اسمه، فمرة وزارة الأشغال العامة والإسكان، وبقي على هذا المسمى عقوداً، وبعدها تحول إلى هيئة الإسكان ولم يمضِ سوى أربعة أعوام حتى تحول إلى وزارة الإسكان، ولا نعلم أين ذهبت الأشغال العامة؟ نخشى أن تتحول بعد هذا إلى وزارة الأشغال العامة، فتضيع وزارة الإسكان مثلما ضاعت وتاهت قبلها خدمات حكومية، مثل: الأوقاف التي بقيت أعواماً تحت مظلة وزارة الحج قبل أن تنتقل إلى وزارة أخرى مع الشؤون الإسلامية، وكذلك الثقافة التي كانت غائبة وليس لها «مطرح»، كما يطلق عليها إخواننا المصريون. فالأندية الثقافية كانت بمظلة رعاية الشباب لعقود، قبل أن تدخل تحت عباءة وزارة الإعلام، وهناك وزارات أخرى كانت تتداخل في ما بينها، وليس عيباً أن تتعدل أماكنها أو تتغير مسمياتها طالما أن الهدف تطوير أداء الوزارة بما يسهل خدمة الناس، نعود إلى وزارة الإسكان التي صدعت رؤوسنا منذ أن تم تغيير مسمياتها السابقة والإبقاء على اسمها الحالي، وبصراحة لم نرَ كمواطنين شيئاً يسرنا حتى الآن، حتى مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية وهو أكبر مشروع إسكاني تنفذه السعودية في تاريخها، أصابها وزير المالية بعين في بداية التخطيط لها، حينما أشار إلى الملك أثناء عرض المخطط العام للإسكان بخفض مساحة الأراضي التي تبنى عليها مشاريع الإسكان للمواطنين، ومنذ ذلك الوقت مشاريع الإسكان تتعثر وتتعرقل وتتعطل وتتأخر. في 2011، هلل الناس وكبروا حينما فكت وزارة الإسكان الشرط الذي يتطلب الحصول على القرض، وهو أن تكون لديك أرض لتحصل على القرض، وبعد جهد مضنٍ، وافقت إدارة الصندوق على زيادة قيمة القرض من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، وقبل عامين طرحت الوزارة عبر موقعها طريقة إلكترونية للتقديم على القروض بدلاً من المعاريض، وقتها خرج السعوديون عن بكرة أبيهم من مناطق مختلفة وقرى نائية، هذا المشهد أعاد بذاكرتي إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة وخروج الناس لاستقباله، ووصل عدد من تقدموا بطلب منزل سكني لهم إلى نحو خمسة ملايين شخص، وجميعهم على أمل أن يحصلوا على مبلغ 500 ألف ريال أو سكن. ومنذ إعلان الوزارة طرح مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية، وهو المشروع الذي مضى عليه أكثر من ثلاثة أعوام، وهو يواجه التعثر، ولم ينفذ منه سوى 60 ألف وحدة سكنية من 59 مشروعاً جرى تنفيذها، ولا نعلم متى ستنتهي، ومتى يستلم المواطنون بيوتهم؟ وفيما كان الناس ينتظرون حلولاً لمشكلة الإسكان وسرعة النظر فيها وفض الاشتباكات الحاصلة فيها بين الأرض والقرض وسرعة تقديمها، خرجت الوزارة بمشروع جديد لا يخدم قطاع الإسكان، ولا يسهل في خفض الإيجار الذي يسكنه 70 في المئة من السعوديين، فانطلقت «خدمة إيجار»، وهو منصة إلكترونية تجمع فيها أصحاب العقارات ومكاتب العقار والمستأجرين، ربما لا تعرف وزارة الإسكان أن الناس يتهربون من أصحاب مكاتب العقار، لأنهم السبب في رفع الإيجار في مقابل العمولات والخدمات التي يحصلون عليها، فبدلاً من أن يدفعها المالك من هامش ربحه، فكانت رقبة المستأجر هي الأقرب لتقديمها، ارتفعت الإيجارات في السعودية في شكل ملفت من 70 في المئة إلى 200 في المئة في بعض المناطق، وارتفعت بجنون من دون أي تدخل لا من وزارة الإسكان ولا إمارات المناطق، فالأمن السكني والاجتماعي من أهم عوامل استقرار الدول والحكومات، كنا ننتظر أن تتحرك الوزارة في معالجة مشكلة المساكن المستأجرة وضبط الأسعار، إنما بالعكس سلمت رقاب المواطنين تحت رحمة مكاتب العقار، وهي التي طالما لعبت بنفسيات الناس بتلاعبها بأسعار الأراضي. وقبل أسبوع من جديد، خرج الوزير في مؤتمر صحافي للكشف عن شروط ومعايير جديدة لآلية الاستحقاق والأولوية، وسيبدأ التقديم به بعد 90 يوماً، وسيكون إعلان أسماء المستحقين في شهر شوال المقبل، ويبدو أن الوزارة كل فترة تخرج لنا بفكرة جديدة، وتسارع إلى عقد مؤتمر صحافي واستمارات جديدة تحتاج أن تقوم بتعبئتها، من دون أن تعلم عن مصير الاستمارات السابقة، وأين هي؟ وكيف يمكن متابعتها؟ وأين تتوقع وصل الرقم؟ أم أن أي مؤتمر صحافي يلغي كل الأرقام السابقة، ويجمع أرقاماً جديدة. المشروع الجديد لوزارة الإسكان هو أنه خيّر المتقدمين سابقاً للحصول على قرض عقاري من صندوق التنمية العقاري وفق شرط الأرض، البقاء على الوضع الحالي للتقديم إلى حين استحقاق القرض أو التنازل عن طلبه والتقدم إلى برنامج الدعم السكني الذي أعلنت تفاصيله، في حين يتوجب على المتقدمين من دون شرط الأرض التقديم إلى البرنامج الجديد «إسكان» مع احتفاظ المتقدم بأولوية نقاط التقديم في كلا الحالتين. وقال وزير الإسكان الدكتور شويش بن سعود الضويحي: «إن الوزارة ستلجأ إلى أكثر من جهة للتثبت من تملك المسكن للمتقدمين عبر المنصة الجديدة، مع التوجه إلى الاستفادة من برنامج تسجيل ملكية المساكن، والتسجيل العيني في حال إتمامها». وعن قيمة الأرض المطورة المحتسبة، أشار الوزير إلى أنه سيضاف إلى قيمة الأرض في حال اختار المواطن منتج «أرض وقرض»، السعودية أمام تحد كبير، إذ إن عليها أن تبني خلال الأعوام الخمسة المقبلة نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية لمواجهة الطلب المتزايد والنمو السكاني المرتفع، فيما ما يتم تنفيذه حالياً لا يعادل سوى 20 في المئة من الحاجات المطلوبة. بصراحة، حتى الآن لم نرَ من الوزارة سوى أحاديث وبيانات وتعبئة استمارات وحال استنفار في المنازل، وإشغال الناس بتصوير هوياتهم وعمل «إسكانر»، وعمل «إيميلات» شخصية للتواصل. كل هذا جميل، إنما يا معالي الوزير هل تسمح لنا، وتخبرنا عن المؤتمر الصحافي المقبل، متى؟ * صحافي وكاتب اقتصادي. [email protected] jbanoon@