عندما كنا صغاراً كانت جداتنا يروين لنا قصصاً وأساطير عن فتيات خطفهن الجن، وذهب بهن إلى قاع بئر سحيقة في الصحراء، وكنا نتابع تلك الأساطير بشغف، واليوم تابعنا جميعاً تفاصيل قضية طفلة تبوك «لمى الروقي» التي سقطت في البئر قبل أسبوعين، ولم يتسنَّ لإمكانات فرق الإنقاذ البسيطة أن تنقذ حياتها، أو على أقل تقدير لم يتسنَّ لها أن تنتشل جثتها - لتتوسد التراب «بعيداً عن غياهب الجب المظلمة التي غيّبت ملامحها»، ما حدا بالمتطوعين من كل مدينة أن يعرضوا خدماتهم التطوعية للمساعدة في إنقاذ الطفلة، وأنا على يقين أن زيادة الأعمال التطوعية دليل على ضعف الخدمات المؤسساتية الحكومية. كنت أتساءل دائماً عن الأساطير كيف كانت تولد في أذهان الجدات؟ وكيف كان لنا أن نصدقها ونؤمن بوقوعها فعلاً؟ لكن بعد متابعتي لقضية الطفلة لمى، أيقنت أن غياب الإعلام يولد الأساطير، لأن الإنسان بطبيعته وفطرته البسيطة دائماً ما يبحث عن الحقائق ويحب أن يقرأ النتائج أو يحللها على أن تكون غامضة مبهمة بالنسبة إليه، وهذا ما حدث فعلاً، فكثيراً ما قرأنا أن «لمى» خطفها الجن، وأن عدداً من الرؤى والأحلام «العاطفية» أثبتت أن هذا الاعتقاد حقيقة آمن بها الكثير. في مواقع التواصل الاجتماعي قرأت انتقادات كثيرة حول غياب الإعلام السعودي عن الوجود الفعلي بموقع الحدث، لأن الجميع أصبح لا يؤمن بأخبار مراسلي الصحف الإلكترونية «الأكثر متابعة للقضية»، لأنك ما أن تقرأ خبراً حولها! حتى تقرأ خبراً آخر ينفيه، وكنت أتمنى فعلاً وجود كاميرات التلفزيون السعودي في المكان، كما وجدت كاميرات التلفزيونات العالمية أثناء حادثة انهيار منجم كوبيابو شمال تشيلي، لكن هذه الأمنيات ذهبت أدراج الرياح حينما تذكرت أن إمكانات فرق الإنقاذ ضعيفة فما بالك بإمكانات قناة تلفزيونية؟ رحم الله الطفلة لمى وجبر مصاب والديها، وأعان الله من سيحمل وزرها يوم الدين، وأتمنى ألا تنتهي القضية فقط بردم بئر لمى لتصبح لمى مجرد أسطورة. [email protected]