قبل أسبوعين، زرت المنطقة القطبية الشمالية، وهناك شاهدت بقايا نهر الجليد الذي كان قبل أعوام قليلة مضت كتلة رائعة من الثلوج. لقد تهاوت هذه الكتلة الرائعة. لم يلحقها الذوبان البطيء، لكن أصابها الانهيار. سافرت إلى هناك في رحلة استغرقت تسع ساعات على متن سفينة انطلقت من تلك المستوطنة في أقصى شمال البسيطة حتى الطرف القطبي المتجمد، ولن تمر سوى سنوات قليلة حتى يمكن للسفينة نفسها أن تقلع دونما عائق على طول الطريق إلى القطب الشمالي. ذلك أن المنطقة القطبية الشمالية يمكن أن تصبح خالية تماماً من الجليد بحلول عام 2030. ولقد حدثني العلماء عن اكتشافاتهم الجادة: إن المنطقة القطبية الشمالية هي بمثابة النذير الذي يحذرنا من آثار تغير المناخ التي ستصيبنا جميعاً، ولقد كان من دواعي انزعاجي وتيرة التغير السريعة هناك. والأسوأ من ذلك أن التغيرات في المنطقة القطبية الشمالية تؤدي الآن إلى تسارع وتيرة الاحترار العالمي. ويؤدي ذوبان الجمَد السرمدي إلى إطلاق غاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة التي تبلغ في قوتها ضعف قوة غاز ثاني أوكسيد الكربون بمعدل 20 مرة. ويهدد ذوبان الجليد في غرينلاند بارتفاع مستوى سطح البحر. وفي الوقت نفسه، فإن معدلات انبعاثات غازات الدفيئة آخذة في الارتفاع. لذلك، فإنني على أشد اقتناع بأنه يتعين علينا أن نعمل، والآن. وتحقيقاً لهذه الغاية، دعوت إلى عقد مؤتمر قمة استثنائي بشأن تغير المناخ اليوم (22 أيلول /سبتمبر) في مقر الأممالمتحدة بحضور نحو 100 من قادة العالم - وهو أكبر تجمع من هذا القبيل يشهده التاريخ حتى الآن لرؤساء الدول والحكومات. وسيكون التحدي الجماعي الذي يواجههم: تحويل أزمة المناخ إلى فرصة من أجل تحقيق نمو مستدام للجميع يكون أكثر أمناً ونظافة ومراعاة للخضرة والبيئة. وسيكون مؤتمر كوبنهاغن مفتاحنا إلى هذا السبيل، حيث ستجتمع الحكومات في شهر كانون الأول (ديسمبر) للتفاوض بشأن اتفاق جديد بحول المناخ العالمي. وستكون لديّ رسالة قصيرة أتوجه بها إلى القادة: إن العالم يطلب منكم السعي الحثيث نحو التوصل إلى اتفاق عادل وفعال وطموح في كوبنهاغن. أما إذا عجزنا عن العمل، فسنظل نحسب مقدار الخسارة على مدى أجيال قادمة. إن تغير المناخ هو القضية الجغرافية السياسية الأبرز في عصرنا. فهو يعيد صياغة المعادلة العالمية من أجل التنمية والسلام والرخاء. وهو يشكل تهديداً للأسواق والاقتصادات ومكاسب التنمية. ويمكن أن تؤدي نتائجه إلى نضوب إمداداتنا من الماء والغذاء، وإثارة النزاعات والهجرة، وزعزعة المجتمعات الهشة، بل ويمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومات. أفي ذلك مبالغة؟ كلاَّ. ليس ذلك من المبالغة في شيء، فوفقاً لما يقول أفضل العلماء في العالم. ووفقاً لما يذكر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإن انبعاثات غازات الدفيئة على النطاق العالمي لا بد لها أن تتضاءل في غضون عشرة أعوام إذا كان لنا أن نتجنب حالاً من إطلاق العنان لقوى الطبيعة الخارقة التي لم يعد لنا الآن سيطرة عليها. وإن فترة السنوات العشر إنما تندرج في إطار العمر السياسي للكثيرين من الحاضرين في مؤتمر القمة. وها هي أزمة المناخ تحدث أمام ناظريهم. على أن هناك بديلاً لهذه الأزمة: النمو المستدام القائم على التكنولوجيات الخضراء والسياسات التي تؤيد تخفيض الانبعاثات في مواجهة تلك القائمة على النماذج الحالية الكثيفة الكربون. والكثير من خطط التنشيط التي جرى استنباطها في أعقاب أزمة الهبوط الاقتصادي العالمية ينطوي على عنصر هام من عناصر السياسة «الخضراء» التي تعمل على توفير فرص العمل وتهيئ البلدان لتحقيق التفوق في مجال اقتصاد الطاقة النظيفة الذي هو سمة من سمات القرن الحادي والعشرين. إن التغيير يملأ الأجواء. ويكمن السبيل إلى تحقيقه في التوصل إلى اتفاق بشأن المناخ العالمي من أجل تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من ارتفاع درجة الحرارة على الصعيد العالمي إلى مستوى علمي مأمون، اتفاق يؤدي إلى حفز النمو القائم على الطاقة النظيفة. والأمر الأكثر إلحاحاً، أن هذا الاتفاق لا بد أن يوفر الحماية والمساعدة لمن هم أشد تعرضاً لآثار تغير المناخ التي لا سبيل إلى تجنبها. ما نحتاج إليه هو إرادة سياسية على أعلى المستويات - الرؤساء ورؤساء الحكومات - وأن تترجم هذه الإرادة السياسية إلى إحراز تقدم سريع في قاعة التفاوض. ويقتضي الأمر مزيداً من الثقة بين الأمم، ومزيداً من القدرة على الخيال، والطموح، والتعاون. وأتوقع من القادة أن يشمروا عن سواعدهم وأن يتحدث كل مع الآخر - لا أن يتجنبه. وكما أتوقع منهم أن يكثفوا جهودهم لحل القضايا السياسية الرئيسية التي كان من نتيجتها حتى الآن أنها أبطأت من سير المفاوضات العالمية إلى حد الجمود. ومن عجب أن هذا التعبير كان حتى عهد قريب كناية عن البطء. ولكن الطبقات الجليدية التي شاهدتها قبل أسابيع قليلة في القطب الشمالي تتخلى عن جمودها وتذوب بوتيرة أسرع من وتيرة التقدم الذي يحققه البشر في الحفاظ عليها. علينا أن نبدِّي مصالح كوكبنا في الأجل الطويل على المغانم السياسية القصيرة الأجل. وعلى القادة الوطنيين أن يصبحوا قادة عالميين وأن يأخذوا بالنظرة الأبعد أجلاً. ذلك أن المخاطر التي نجابهها اليوم تتجاوز حدود البلدان. وليس من الضروري أن يحسم مؤتمر كوبنهاغن كل التفاصيل. لكن نجاح أي اتفاق بشأن المناخ العالمي يجب أن يكفل مشاركة كل البلدان بما يتسق وقدراتها في العمل نحو هدف مشترك وطويل الأجل. وتلك هي نقاطي المرجعية لبلوغ هذا النجاح. أولاً، على كل بلد أن يبذل قصارى جهده للتقليل من الانبعاثات من كل مصادرها الرئيسية. وعلى البلدان الصناعية أن تعزز من أهدافها المتعلقة بالتخفيف التي هي الآن أبعد ما تكون عن تلك التي يرى الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ ضرورة تحقيقها. وعلى البلدان النامية أيضاً أن تقلل من ارتفاع معدلات انبعاثاتها وأن تعجل في النمو الأخضر الذي يراعي البيئة كجزء من استراتيجياتها للحد من الفقر. ثانياً، إن أي اتفاق يراد له أن يتكلل بالنجاح يجب أن يساعد أشد الفئات تأثراً في التكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ. وتلك هي ضرورة أخلاقية فضلاً عن أنها تشكل استثماراً ذكياً في عالم أكثر استقراراً وأكثر أمناً. ثالثاً، تحتاج البلدان النامية إلى التمويل والتكنولوجيا لكي تمضي سريعاً على طريق النمو القائم على التقليل من الانبعاثات. وينبغي لأي اتفاق أيضاً أن يفتح الباب أمام الاستثمار الخاص، بما في ذلك من طريق أسواق الكربون. رابعاً، لا بد من توخي الإنصاف في إدارة الموارد وتوزيعها على نحو يتيح لكل البلدان أن يكون لها صوتها. هذا العام، في كوبنهاغن، ستتاح لنا فرصة هائلة لأن نقف على الجانب الصحيح من منصة التاريخ. وستكون فرصة ليس فقط لدرء الكارثة، ولكن أيضاً للشروع في عملية تحول أساسية في الاقتصاد العالمي. إن أشرعتنا الآن مفعمة برياح سياسية قوية جديدة، وقد عبأ ملايين المواطنين قواهم، وها هي دوائر الأعمال التجارية الحصيفة ترسم الطريق أمام مسار جديد للطاقة النظيفة. علينا أن ننتهز هذه الفرصة وأن نعمل بشجاعة إزاء قضية تغير المناخ، فهذه الفرصة قد لا تسنح مرة أخرى في وقت قريب. إن الأجواء مفعمة برياح التغيير. وعلينا أن نبرم الاتفاق من أجل ضمان مستقبل أفضل للجميع. *الأمين العام للأمم المتحدة.