منذ أن تحولت الجزائر إلى سوق تبتلع كل شيء وأي شيء، أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءاً من فاتورة «الفوضى» التي يدفعها الشباب تحت عنوان المتعة، فيدخلون حرباً افتراضية تلو الأخرى ويواجهون تحديات خيالية متتالية تعطيهم طعماً موقتاً بالنصر أو الهزيمة. ويبدو أن هذا هو الطعم الذي نجح في دفع عشرات بل مئات الشباب يومياً نحو أجهزة الكومبيوتر ومحطات اللعب وأجهزة الهواتف وغيرها من الوسائل. في المقابل ماذا يفعل التلفزيون والإذاعة والصحف الجزائرية إزاء هذا الغزو وهل هناك شعور بأن يكون لهذا «الالتفاف الجماعي» حول الألعاب أية خطورة على الجمهور الشاب؟ أم أن الأمر في النهاية ليس أكثر من لعبة لا تستحق إلا المزيد من الحرية والمال لدعم متعة الشباب المحاصرين بكل أشكال الهموم الاجتماعية؟ يكفي أن تضغط على زر واحد لتفتح أمامك الشبكة العنكبوتية عالماً لا نهاية له من الألعاب الإلكترونية وتدعوك إلى تحميل قائمة طويلة من الألعاب «مجاناً». ويكفي أن تفتح صحيفة محلية لتجد مقالاً «هشاً» حول خطورة إدمان اللعب في مقابل صفحة كاملة تتمحور حول أحدث أجهزة الهاتف النقال المزود بآخر الألعاب والامتيازات التقنية. ويسيل صاحب المقال لعابك عندما يطلعك بأن الجهاز الصغير «يفهمك» فهو من جيلك ويعرف ماذا تحتاج لتستمتع على شاشاته الصغيرة. ويكفي أن تضغط على زر جهاز التحكم ليفتح التلفزيون عينيك وأذنيك على أحدث الألعاب وأكثرها إثارة ويدعوك إلى عدم تفويت الفرصة للحصول عليها. وأفردت القناة الفرنسية بعض حصصها لهذا الموضوع، فتعطيك آخر أخبار الألعاب ومواقعها وأسعارها وليس عليك أنت الشاب الجزائري المولع بها إلا البحث عنها في السوق. أما الثمن فيحسدك عليه أترابك في القارة العجوز، لأن سعر اللعبة عندك لا يتجاوز 100 دينار أي أقل من يورو واحد. وعند شراء لعبة، يسأل البائع عن سن المستخدم. فلكل لعبة سن محددة، ولكن لا أحد يعرف من وضع هذا التصنيف ولا على ماذا يعتمد، وكأن ثمة من يراقب سن اللاعبين في مقاهي الإنترنت المزروعة في كل حي من أحياء العاصمة. ولا يبدو أن هذا الموضوع خطر للمسؤولين عن التلفزيون الجزائري ولا للإعلاميين الذين يقابلونهم. فما يعلق غالباً بذهن المتفرج هو الإعلانات التي يدفع ثمنها مسوقو الألعاب وشركات الاتصالات التي تستفيد من بدل الخدمة. أما الصحف فنادراً ما تتناول موضوع مخاطر الإدمان على الألعاب الإلكترونية كالانعزال الاجتماعي وفقدان التواصل، على رغم ان بعضها يخصص صفحة أو أكثر للإلكترونيات لا سيما الهواتف النقالة. لكن الواقع أن هذه الصفحات وإن كان يحررها صحافيون محترفون، إلا أن أصحاب الشركات المعنية يدفعون ثمن الإعلان وتكلفة الصفحات فلا يعود بالإمكان انتقادها بموضوعية وإنما تتحول صفحة خدماتية بقشرة إعلامية ناهيك بالمقالات التي تصدر في الصفحات الاجتماعية أو صفحات الوسائط المتعددة التي ينقل فيها الصحافي آخر أخبار الألعاب ويعطي القارىء المواقع التي يمكنه تحميل الألعاب منها. وتطالعك جريدة فرانكوفونية جزائرية بأخبار الألعاب الإلكترونية «العالمية» وإعلانات للكأس الجزائرية «للرياضة الإلكترونية» وهي منافسة بين هواة ومحترفين للألعاب الإكترونية، لكل الأعمار من الجنسين تنتهي بالحصول على كأس ودعوة الى المشاركة في منافسة دولية في فرنسا يقتسم الرابحون فيها 400 ألف دولار. وقالت نرجس كرميش الأمينة العامة للفرع النقابي في جريدة النصر الجزائرية والعضو الفاعل في نقابة الصحافيين: «تتعامل الصحف مع الألعاب الإلكترونية كأي سلعة أخرى». وأضافت: « يظهر الجانب التوعوي من حين الى آخر في مقالات تتحدث عن خطورة هذه الألعاب أو عن الألعاب المقلدة الموجودة في السوق لكنها مقالات تظل بسيطة وغير متخصصة ولا تعتمد على دراسات واضحة أو آراء مختصين أو حتى موقف مسؤولي وزارة التربية ما يجعلها غير مؤثرة. فعادة ما يتم التعامل مع الموضوع إعلامياً كموضوع منوعات وترفيه ليس أكثر». وأضافت كرميش أن الآباء أيضاً يزيدون المشكلة. فمع نقص وسائل الترفيه يفضل كثيرون إبقاء أولادهم في المنزل وحمايتهم من الشارع وحتى من التلفزيون متجاهلين المشاكل التربوية والانعكاسات النفسية السلبية على الأبناء. أما الجهات الرسمية المسؤولة عن قطاع التربية والتعليم فلا يبدو أنها منتبهة للموضوع أصلاً.