كتبت لمقاهي الانترنت المتكاثرة مثل الفطر في المغرب حياة جديدة بفضل الانتشار الواسع لألعاب الفيديو في أوساط الأطفال والشباب. وبات المزيد من الآباء يقدمون هدايا الأعياد والمناسبات الشخصية ومكافآت النجاح في الدراسة لأبنائهم في شكل افتراضي، طوعاً أو كرهاً، ثم ما يلبث بعضهم أن يزاحم أولاده في اللعب... ويدمن، فيشتري «خاصته الافتراضية» ليهنأ باللعب كيفما يشاء. وأما الأنظمة الإلكترونية (console) الخاصة بهذه الألعاب، بدءاً ب Playstation 1 وPlaystation 2 (PS1 و PS2) إلى Gamecube و Xbox وغيرها، فقد تجاوزها الشباب المغربي إلى أنظمة أكثر حداثة، مثل PS3 و360 Xbox و Wii على الأقل لجهة معرفة ميزاتها ولو من بعد. ويتابع الشباب أولاً بأول آخر ما يطرح في الأسواق العالمية، علهم يجدون وسيلة لاقتنائها في الأسواق المغربية. غير أن نهم الشباب المغربي بألعاب الفيديو لم يقف عند حدود الاستهلاك وحسب، بل إن فضوله واجتهاده ومؤهلاته العالية في مجال التكنولوجيات الجديدة والمعلوميات قادته لأن يصبح أحد صناعها من ذوي الصيت العالمي. لعبة Assassin's Creed التي عرفت نجاحاً غير مسبوق في تاريخ الألعاب الإلكترونية في الولاياتالمتحدة تم تطويرها على يد مغربي في الدارالبيضاء. ولعبتا Prince of Persia 3، وRayman raving rabbits على سبيل المثال طورهما بالكامل فريقان مغربيان مكونان من 80 شاباً في الدارالبيضاء، استغرق العمل عليهما زهاء سنتين، وطرحا في السوق المغربية. وهذه الألعاب الناجحة تحسب للشركة الفرنسية يوبيسوفت Ubisoft، الرائدة العالمية في صناعة ألعاب الفيديو الإلكترونية التي استقرت في المغرب قبل عشر سنوات. وخلال هذه المدة، طورت سبعة ألعاب فيديو، وجدت طريقها إلى المستهلكين في كل أنحاء العالم. وافتتحت يوبيسوفت في العام 1998 أول استوديو لها في مدينة الدارالبيضاء، وهو الاستوديو الوحيد من نوعه في شمال أفريقيا. استقطبت إليه مواهب مغربية أثبت جدارتها، وعملت في البداية على إعادة تكييف الأنظمة الإلكترونية لألعاب منجزة لتلائم أنظمة أخرى جديدة، ثم طورت الألعاب التي صارت تحمل البصمة المغربية. ووسعت يوبيسوفت أعمالها في المغرب، وأعلنت ربيع السنة الماضية عن نيتها إنشاء أول مدرسة مهنية في المغرب لتعليم مهن ألعاب الفيديو وأفلام الرسوم المتحركة، بشراكة مع شركة مغربية رائدة في الإنتاج السمعي البصري، ومؤسسة تعليم كندية مختصة في التكوين في هذا المجال. ونظمت الشركة حملة كبرى حينها، جندت خلالها شبكة «فايس بوك»، كما نظمت جولات في عدد من مدن المغرب لجذب الطاقات الشابة المهتمة بعالم الألعاب الإلكترونية. وتقدم 1500 مرشح بملفات الالتحاق بالمدرسة، وكان على الشركة أن تنتقي منهم 70 فقط ليلتحقوا بمركز (Campus Ubisoft Casablanca) الذي افتتح أبوابه في تشرين الأول (أكتوبر) 2008. واصل هؤلاء الشباب المغاربة الموهوبون، ومن ضمنهم ست فتيات، تكوينهم في المدرسة مدة سنة شملت التدريب على عدد من التقنيات التطبيقية، وتخرجوا بدبلوم تقني يحمل توقيع وزارة التربية والرياضة الكندية، ليلتحقوا مباشرة بالعمل في ردهات استوديو يوبيسوفت في الدارالبيضاء، مؤهلين للعمل بالمعايير العالمية في عالم صناعة ألعاب الفيديو وأفلام الرسوم المتحركة (التحريك الثلاثي الأبعاد 3D)، انطلاقاً من البرمجة بتقنية 3D إلى التصميم الألعاب ب 3D وgame design و level design وإدارة المشاريع. وتتوقع شركة يوبيسوفت، وهي ثاني أكبر مشغل عالمي في المجال، تكوين 150 من المهنيين المطورين للألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة المغاربة في أفق العام المقبل في المدرسة. وقد استفادت من دعم برنامج المخطط الاستعجالي للحكومة المغربية المتعلق برفد السوق المحلية بالكفاءات المهنية المتخصصة التي يمكنها مواكبة المهن العالمية والاستجابة لحاجات المناطق الحرة (أوف شورينغ). ومن الواضح أن مهنة مطوري عالم 3D وصناعة الألعاب الإلكترونية التي تشهد فورة في المغرب منذ منتصف العام 2007 هي مهنة المستقبل بامتياز. وقد أضحى اهتمام السوق العالمية لألعاب الفيديو الإلكترونية بالخبرات المغربية في المجال متزايداً، باستقرار العديد من الشركات الدولية في العاصمة الاقتصادية المغربية المؤهلة لتصبح إحدى العواصم العالمية الألعاب الإلكترونية.