تذكرون جميعاً اللفتة التربوية التي وردتكم بوسائل اتصال مختلفة عندما قال الابن لأبيه: «صاحب القمامة عند الباب فرد الأب: يا بنيّ نحن أصحاب القمامة، وهو صاحب النظافة جاء ليساعدنا»، وهي بالفعل لقطة عميقة جميلة المعنى، مختصرة المبنى. استحضرتها وأنا أقرأ لفتة إنسانية ثقافية اجتماعية بادرت بها بلدية عنيزة التي خطَت «خطوة جديدة نحو تعزيز القيم الإنسانية النبيلة وحفظاً لكرامة كل عضو فاعل في المجتمع من أي جنسية» كما وصفت الصحف قرارها إلغاء مسمى «عامل نظافة» واستبداله بلقب «صديق البيئة»، كما قالت البلدية «ارتكازاً على مبادئ ديننا السامية التي تكرم طالب الرزق الحلال أياً كانت مهنته وتساوي بين البشر مهما كانت مهنهم وألوانهم وأجناسهم.» البلدية ممثلة بإدارة خدمة المجتمع عملت بالتعاون مع إدارة التشغيل والصيانة كل ما يضمن نجاح هذا التوجه، من إعداد خطة إعلامية وإعلانية واستحداث آلية عمل جديدة لقسم النظافة، وكذلك استبدال زي أصدقاء البيئة بزي يحمل رقماً تسلسلياً يرتبط به طوال فترة عمله في البلدية، وهو ما يسهل التعرف عليه والاستدلال به حيث سيكون لكل حي أرقاماً محددة. أهالي عنيزة على موعد مع مناسبة إنسانية قريباً لتدشين المسمى الجديد لأكثر من 800 من أصدقاء البيئة، وهو ما ينتظر أن يكون له أثر إيجابي في نفوس المنتمين إلى هذه الفئة ويسهم في رفع معنوياتهم وينعكس بشكل واضح على أدائهم. إن هذه المبادرة درس في التحضر، وهي مع الزمن والتطبيق السليم لها، ثم التركيز على مدلولاتها وانعكاس ذلك على علاقة الناس بهذه العمالة، ثم علاقتهم ببيئتهم ستؤسس لوعي أكبر، وستعطي المجتمع في عنيزة، وفي أي مدينة ستلي وتقتدي بهذه المبادرة، وهو ما يمكن فعلاً أن نسميه «خصوصية» من دون تندر بالكلمة أو استغلالها في تبرير أي ازدواجية أو لا منطقية في حياتنا. تعودنا أن ننادي العمال الآسيويين أو غير العرب إجمالاً بكلمة «صديق» التي يبدو لي من التمعن فيها أنها بدأت من عندهم عندما عرفوا نطقها في لغتنا، وانتهت إلينا، إما باستخدامها بحياد، أو عند البعض للأسف استخدامها استخفافاً، وهي ككلمة رائعة في وصف علاقتنا بها، لكن أسلوب المناداة، ومن بعده ومن قبله أسلوب التعامل معهم هو ما يصنع الفارق، ولعل بلدية عنيزة ستصنع هذا الفارق. عمال النظافة -عفواً - أقصد أصدقاء البيئة مؤشر يمكن من خلاله للزائر أو المراقب المحايد أن يقرأه، ومن نواحٍ عدة، فأجدها سانحة لأن نتمعن في أوضاع بعضهم من ناحية الأجور وظروف العمل التي أحالت بعضهم إلى متسولين ولو على استحياء حيث يقفون عند الإشارات من دون طلب شيء لاستدرار العطف. وأنتم في منازلكم يمكنكم أن تصنعوا لأنفسكم ومجتمعكم واقتصادكم وصحتكم وبيئتكم وأصدقاء بيئتكم الجدد خيراً كثيراً، إذا أعدتم النظر والتأمل في النفايات المنزلية التي تخرج كل يوم، حجمها، ونوعها، ودلائلها الاستهلاكية التي تعكس نمط معيشة يجب أن يعاد النظر فيه، لأن استمرار الحال هكذا مثير للشفقة. [email protected] mohamdalyami@