للبحوث الجادة والدراسات الرصينة أثر كبير في نهضة الأمم والإسهام في علاج مشكلاتها، مروراً بتشخيص الواقع وانتهاء باقتراح الحلول والعلاجات. من تلك المراكز العلمية الكبيرة التي يهتم صانع القرار بمبادراتها واقتراحاتها منتدى الرياض الاقتصادي، هذا المنتدى الذي يسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة ويقدم عدداً من الدراسات. وتشرفت بالمشاركة في دراساته السابقة، ومنها دراسة تتعلق بتوحيد الأنظمة التجارية، وها أنا أيضاً أتشرف في هذا الأسبوع بمشاركة في غاية الأهمية، باعتبار موضوعها ووقتها وأثرها وحساسية ما يتعلق بها وصعوبة الوصول إليها. هذه الدراسة هي (الفساد الإداري والمالي) الواقع، والآثار، وسبل الحد منها، وتشرفت بالمشاركة فيها مشرفاً ثم مراجعاً ثم مقدماً للدراسة في هذا المنتدى الكبير. وهذه الدراسة تهدف إلى تشخيص واقع الفساد الإداري والمالي في المملكة، واقتراح الآليات المناسبة للحد منه، وتحديد المعوقات التي تحد من هذا الفساد مع استعراض التجارب الدولية في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وتحليل أوجه الاستفادة منها في المملكة. وسعت هذه الدراسة إلى كشف أوجه القصور في اللوائح والإجراءات والسياسات والنظم، والتي يمكن أن تعود بآثارها السلبية على وجود الفساد الإداري والمالي وتفشيه. وأيضاً اختتمت الدراسة - بعد العرض والمقارنة مع التجارب الدولية وتحليل الواقع الراهن - باقتراح التشريعات والسياسات اللازمة من حد هذه الظاهرة، مع تقديم عدد من المبادرات والتوصيات والآليات المقترحة للحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي. ولعل من أهم ما ظهر في هذه الدراسة هو انطباع الشريحة المستكتبة في هذه الدراسة، وهي عينة كبيرة تجاوزت 1300 مشارك، تمثل شرائح متعددة في القضاء والمحامين والمراجعين القانونيين والموظفين ومراجعي الجهات الحكومية ورجال الأعمال وغيرهم، والتي رأت أن الفساد الإداري والمالي في المملكة منتشر بنسبة تقترب من 68 في المئة، وهذا يعد انطباعاً سلبياً تجاه تفشيه وانتشاره. وجاء في صدر تلك الصور المنتشرة التي تراها عينة الدراسة، الواسطة ثم إساءة استغلال النفوذ، ثم التفرقة في تطبيق القوانين والعقوبات، ثم مخالفة التعليمات، ثم التزوير ثم الرشوة ثم التلاعب بالعقود، فتسهيل المعاملات بالتلاعب بالأنظمة، ثم السرقة فالاختلاس. وسأعرض في المقالة المقبلة أهم المبادرات المقترحة للحل - بإذن الله -. * محامٍ ومستشار قانوني. [email protected] a.sgaih@