تعكس خطوط المواصلات درجة التطور الذي يشمل البنيات التي تتأسس عليها ومن حولها المنشآت الاقتصادية والعمرانية التي تساعد في تقدم الإنسانية. وكم كان مفرحاً لو أن الاتفاق على إنشاء طريق تربط بين تيندوف جنوب غربي الجزائر والمحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب تجاوز إطار تأمين تبادل الزيارات بين الأهالي المتحدرين من أصول صحراوية نحو إقامة مشروع يعاود حركة التجارة التي كانت المنطقة تعرف بريقها عندما كانت تنتفي الحدود والحواجز، وكان السكان الرحل القادمون من تومبوكتو وتيندوف ونواذيبو يقايضون السلع والمنتوجات اليدوية والتمور والحرير. وقتها لم تكن الحدود حواجز ولم تكن الخلافات السياسية تعلو على تقاليد الترحال في أرض الله الواسعة، الى أن برزت ظاهرة الحدود الموروثة عن الاستعمار في صورة نزاعات حدودية وإقليمية أعاقت حتى المشروعات البسيطة في تكريس تنقل الأشخاص والبضائع بحرية كاملة. لقد حتمت الوتيرة العالية للطلبات المقدمة الى منظمة غوث اللاجئين لتأمين تبادل الزيارات لحوالى 42 ألف شخص موزعين بين الطرفين، الانتقال الى اعتماد رحلات برية بعد ان استنفدت الرحلات الجوية بعض أغراضها. فالسكان المعنيون بهذه المبادرة، والذين فرقت بينهم خلافات سياسية كانت وراء اندلاع قضية الصحراء، باتوا يكتفون بحد أدنى من الأمل في جمع الشمل ولو لبضعة أيام فقط. فقد طال أمد النزاع الى الحد الذي أصبحت فيه هكذا زيارات تعوض السكان حنينهم الى يوم اللقاء. بيد أن الأخطر في استمرار الأزمة ليس دخولها العام الخامس والثلاثين من دون ظهور بوادر للحل، وإنما تشبع سكان ينتسبون للقبائل نفسها بأفكار متناقضة عن واقعهم وعن مستقبلهم. والأكيد أن الأطفال الذين فتحوا عيونهم في المخيمات منذ أكثر من ثلاثة عقود لا يحملون نفس مشاعر وتطلعات أشقائهم الموجودين في المحافظات الصحراوية. أوضاع بهذا التناقض يجب أن تكون حافزاً أمام الأطراف المعنية بالمفاوضات كي تضع في الاعتبار أنه مهما كان حجم المواقف المتباينة، فإنه لا يبيح استمرار وضع إنساني مناقض لأبسط شروط الكرامة واهانة الهوية. فمبادرة تبادل الزيارات جاءت بهدف بناء الثقة ومراعاة البعد الإنساني في تداعيات نزاع فرّق بين أبناء الأسرة الواحدة والقبيلة الواحدة. غير أن السكان الذين استجابوا بكثافة لفرص اللقاء، أظهروا أن غياب الثقة موجود خارج رغباتهم. وهم إذ يباركون إنشاء طريق الأمل في زيادة إعداد الزيارات يعولون على أن تتحول الى طريق لرفع المعاناة. وما لم تتواز طريق تيندوف – العيون مع فتح المزيد من منافذ الحوار التي تتجاوز تبادل الزيارات نحو تبادل المنافع والإقرار بالحقائق فإن غبار الخلافات سيعصف يوماً بمعالم تلك الطريق، تماماً كما تهب رياح الصحراء وتخفي أو تتلف معالم الوفاق والإفاء. لا تريد مفوضية اللاجئين أن يكون لمبادرتها التي توجت باتفاق مغربي – جزائري أكثر من بعد إنساني، وهي تعمل من أجل إقناع الدول والجهات المانحة أن الأوضاع في مخيمات اللاجئين الصحراويين تتطلب المزيد من المساعدات. فيما أن الجدال ما زال دائراً حول ضرورة إحصائهم لتحديد حاجاتهم، ما يشير الى أن مشروع إنشاء الطريق يبقى محفوفاً بالمخاطر. وتحديداً حين تطرح الإشكالات المرتبطة بهوية الأشخاص الذين سيستفيدون من تبادل الزيارات الإنسانية. فتح الطريق بين تيندوف والعيون غداً أمر في غاية الأهمية، على اعتبار أن ما يستعصي حله سياسياً يمكن أن يجد طريقه نحو تفاهمات ذات طابع إنساني. ومن المفارقات أن طريقاً آخر لتبادل الزيارات والمنافع لا يزال من دون مخارج، وهو يخص الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر عند نهاية الخط الشمالي لتيندوف والعيون. فقد شكلت في فترات وفاق البلدين الجارين منافذ عبور تتجه شرقاً نحو الدول المغاربية والعربية، وتمتد جنوباً نحو أفريقيا، وكان خط سكك الحديد هناك يعرف ببوابة القارة السمراء والشرق. معاودة فتح هذا الطريق لا يحتاج الى أكثر من إرادة سياسية تبلور تقاليد حسن الجوار والتعاون، لكنها في العمق تعكس الى أي مدى ما زال مفهوم الحدود خاضعاً لرؤى متجاوزة إن لم تطورها الالتزامات السياسية والإنسانية، فإنها لن تكون بعيدة عن المتغيرات التي تهدد الكثير من بديهيات السياسة، فرفع درجات الحرارة أفضل أن يقابله برود في الأجساد يحرك العقول.