لعل كل من تعلّم هذه العبارة «الوقت من ذهب» إنما تعلمها في المدرسة، لذا أنا أذكّر بها وزارة التربية من باب رد الجميل، فقد وعد المسؤولون في الوزارة أن يتحدثوا بما لديهم بعد 100 يوم، فتنفس الكثير من الناس الصعداء، وبدأوا العد التنازلي، مستبشرين - أو كثير منهم - خيراً، فالقيادة الجديدة أتت بإرادة سياسية بعد فترة طويلة من التقاط الأنفاس في الوزارة، وأيقن الجميع أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. لكن ال100 يوم لم تسفر عن شيء، وكان التربويون يترقبون لقاء القيادات التربوية في مكة، لكنه انفضّ عن «لا شيء» - أو قريب من ذلك. وأنا مع عدم التعجل والتركيز، ومع العمل الاستراتيجي... لكن الوقت لا يتوقف، وعجلة التنمية لا ترحم، والهدر التربوي، ولو قصر الزمن، كبير ومكلف، وأخشى على صورة الذات لدينا أن تتحطم أو تتشوه، ويكون لدينا قناعة بأننا لا نستطيع أن نعمل شيئاً. أكاد أجزم أن هناك أفكاراً تدور في أروقة الوزارة، لكن الشيء الأكيد أنه مهما كانت الأفكار التطويرية جميلة وصائبة فيجب أن تمر من خلال الميدان، من الخطأ أن تزرع الأفكار التطويرية في «ديوان الوزارة»، مهمة الوزارة الأولى ليست تطوير «الوزارة»، بل «المدرسة»، الأفكار التطويرية، وإن نبعت من الوزارة، يجب أن تستنبت في الميدان التربوي، فهو مكان التطوير الحقيقي، لا الوزارة، إن أي تطوير لا يتم تسويقه لدى المعلمين - العامل المنسي في التطوير - ومديري المدارس والطلاب ولا يلبي حاجاتهم... لن يحقق النجاح المطلوب مهما بدا جيداً. يسوق الخبير الإداري والتربوي «فولان» في كتابه عن «الأسرار الستة للتغيير» التي يرى أنها ضرورية لتطوير أي مؤسسة، بما في ذلك المؤسسة التربوية، العوامل التالية للتغيير الناجح: الأول: الاهتمام بالعاملين، وبعبارته «حب العاملين»، وهم هنا المعلمون ومديرو المدارس، فهو يرى أن أي مؤسسة تفرط في ولاء العاملين فيها من خلال عدم منحهم ما يستحقون من حب واهتمام «دع عنك حقوقهم القانونية والمادية»، فهي تخاطر بأهم عامل للنجاح لديها. فما حال المعلمين في مدارسنا؟! المعلمون مهملون، ولا يلتفت إليهم، وينظر لهم على أنهم غير أكفاء، وقد يكون فيهم من هو كذلك، لكن السبب الأكبر يعود للنظامين التربوي والإداري في التعامل معهم. الثاني: ربط المعلمين بهدف يتفاعلون في ما بينهم لأجله. الثالث: بناء القدرات الفردية والجماعية داخل المدرسة. الرابع: التعلم أثناء العمل ومن العمل. الخامس: الشفافية وتوفير المعلومات. السادس: التعلم المستمر للجميع داخل المدرسة «ثقافة التعلم». ويشير أيضاً إلى أنه في أحد التقارير المتخصصة لإحدى أكبر الشركات الاستشارية العالمية في مجال التطوير قام فيه بدراسة لوضع المعلمين في بعض الأنظمة التربوية المتقدمة مثل فنلندا وسنغافورة، وجد أن هذه الأنظمة تتميز بثلاث ميزات في ما يتعلق بالمعلم: الأولى: استقطاب أكثر المعلمين كفاءة «في فنلندا مطلوب من كل معلم الحصول على درجة الماجستير». الثانية: تطوير أداء أولئك المعلمين «وعدم الاكتفاء بما هم عليه من كفاءة». الثالثة: التأكد من أداء أولئك المعلمين لأفضل الممارسات التدريسية، مع القيام بالتدخل السريع في أي حالة ضعف طارئة. هذه أبعاد مهمة لأي إصلاح تربوي، وكلها تتركز داخل المدرسة، وأشير إلى أمر يظهر لكل من بحث موضوع تطوير المدرسة، وهو أن التقنية لا تكاد تذكر كعامل أساس في التطوير أو الإصلاح التربوي، ووجهة نظري أن التقنية هي آخر ما يحتاجه تطويرنا التربوي في أوضاعنا الحالية، والبدء به أو التركيز عليه ليس فقط وضعاً للعربة قبل الحصان، بل وضع للحصان «فوق» العربة! وفي هذه الحالة سنحتاج ليس فقط إلى 100 يوم، بل إلى 1000 ليلة وليلة في إصلاحنا التربوي! أعرف أن الوضع الإداري البيروقراطي والاجتماعي يجعل التعامل النمطي مع مشكلة المعلمين شبه مستحيل، لكنني أؤكد أننا لسنا بحاجة إلى عمل المزيد مما كنا نعمل بقدر ما نحن بحاجة إلى عمل شيء مختلف. * أكاديمي بجامعة الملك سعود