أصيبت المعارضة السورية بنكسة جديدة عشية الجهود الدولية لدفعها والنظام إلى حضور «جنيف - 2» قبل نهاية السنة. وأعلن العقيد عبدالجبار العكيدي، رئيس المجلس العسكري الثوري في محافظة حلب التابع ل «الجيش الحر» استقالته من منصبه احتجاجاً على «تآمر» المجتمع الدولي على الشعب السوري وتشرذم المعارضة السياسية والعسكرية و «التراجع على الأرض» والصراع بين «أمراء الحرب». وقال العكيدي، أحد أبرز القادة العسكريين في الجيش الحر: «نتيجة لتعنت البعض عن الاستجابة للدعوة إلى التوحد ورص الصفوف والتعالي عن الأنا والغرور (...) ما أدى إلى تراجع الجبهات وخسارة طريق الإمداد وآخر الخطب سقوط مدينة السفيرة» شرق حلب، فإنني أعلن تنحيي وتقديم استقالتي من قيادة المجلس العسكري الثوري في حلب». وذكر أن أسباب تنحيه ثلاثة تختصر بتخلي المجتمع الدولي عن المعارضة، وتشتت هذه المعارضة، والصراع على الأرض بين من أسماهم «أمراء الحرب». وقال في شريط فيديو تم بثه على موقع «يوتيوب» على الإنترنت: «أسقطت هذه الثورة المباركة آخر الأقنعة عن وجه المجتمع الدولي فأسفر عن دمامة وجهه وقباحة قيمه ومدى تآمره على هذا الشعب وهذه الثورة». وتابع: «أما أنتم الذين نصّبتم أنفسكم أولياء على هذا الشعب ممن تسمون أنفسكم مجازاً المعارضة (...) فنقول لكم هنيئاً لكم فنادقكم ومناصبكم، والله إنكم بالكاد تمثلون أنفسكم، فما كان منكم إلا التهاون بالدماء وعدم الارتقاء إلى مستوى المسؤولية: شتات ووهن واستكانة ولهث وراء المناصب تنفيذاً للأجندات وشراء للولاءات». وقال العكيدي متوجهاً إلى قادة المعارضة المقيمين خارج سورية: «أدرتم ظهوركم للداخل وانسلختم عنه في شكل كامل، فأنتم في واد والشعب في واد». وتوجه إلى «بعض قادة الألوية والفصائل» ممن أسماهم «أمراء الحرب الذين توجوا أنفسهم ملوكاً وأمراء على عروش وكيانات واهية»، وقال لهم: «كفاكم تناحراً وتسابقاً على الزعامة والإمارة وحرصاً على الشهرة والتصوير ولهثاً وراء سراب الخارج وأجنداته واجتماعاته الواهنة التي لا تسمن ولا تغني من جوع». وحيا العكيدي في المقابل من وصفهم ب «الثوار المجاهدين الأبطال» الذين «سطروا أروع ملاحم البطولة والإباء بعيداً من الظهور والرياء»، معتبراً أن الأمل في «الثورة» معقود عليهم. وقال إنه يستقيل لإفساح المجال «لتولي دماء جديدة تضفي على المجلس نشاطاً وحيوية جديدة»، وإنه سيتابع «واجبي الثوري في باقي الميادين». وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من سقوط مدينة السفيرة التي بقيت تحت سيطرة الجيش الحر لأكثر من سنة، في أيدي القوات النظامية. والسفيرة مدينة استراتيجية تقع على الطريق الرئيسي المؤدي من وسط البلاد إلى مدينة حلب، وتقع على أطرافها معامل الدفاع التابعة لوزارة الدفاع التي تنتج الأسلحة وكل أنواع السلع الأخرى. ومن شأن سقوطها في أيدي قوات النظام أن يريح هذا الأخير تماماً لجهة نقل الإمدادات إلى قواته في المدينة التي يحتل مقاتلو المعارضة أجزاء واسعة منها. وقال ناشط في حلب يقدم نفسه باسم محمد وسام رداً على سؤال لوكالة «فرانس برس»: «إن هناك خوفاً على مدينة حلب» بعد سقوط السفيرة. وأضاف محمد من مركز حلب الإعلامي عبر سكايب: «هذا يعني أن الطريق إلى حلب من جهة الشرق بات مفتوحاً»، ومشيراً إلى أن السفيرة كانت المعبر أيضاً إلى محافظة الرقة في شمال البلاد التي تسيطر المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة منها. ورأى محمد أن استقالة العكيدي سببها أنه «لم يعد يملك السلطة والكلمة لتسيير الأمور في حلب بسبب كثرة الفصائل والأجندات على الساحة العسكرية». وزاد: «أنه من الشخصيات المعتبرة في حلب، والناس سيرفضون بالتأكيد هذه الاستقالة». وكان العكيدي كتب على صفحته الرسمية على «فايسبوك» الجمعة «السفيرة لم تسقط من قلة الذخيرة، فليشهد الله أننا وضعنا كل إمكانية المجلس تحت غرفة عمليات السفيرة. جبهة السفيرة كانت في حاجة إلى رجال يرابطون ولكن ألوية الجيش الحر وغيرها تخاذلت». وانشق العكيدي عن الجيش السوري النظامي في 19 أيار (مايو) 2012، وقاد معركة حلب التي فتحت في 20 تموز (يوليو) 2012، وسيطر الجيش الحر خلالها في غضون وقت قصير جداً على عدد كبير من أحياء المدينة. وتولى بعد ذلك قيادة المجلس العسكري في المحافظة. وأعلن العكيدي في حزيران (يونيو) استقالته من مجلس القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان في الجيش الحر الذي يرأسه اللواء سليم إدريس، معللاً ذلك ب «التصرفات الصبيانية لبعض أعضاء مجلس القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان وانشغالهم فقط بالثرثرة والمناصب والسفر»، ما أدى إلى «سقوط هذا المجلس في نظر غالبية الثوار»، وفق تعبيره. واستمرت لليوم الثالث على التوالي الاشتباكات العنيفة جنوبدمشق بين القوات النظامية مدعومة من مقاتلين شيعة عراقيين ومن «حزب الله» اللبناني ومجموعات من المعارضة المسلحة، تترافق مع قصف من قوات النظام لأحياء في جنوب العاصمة، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأطلق مقاتلو المعارضة عدداً من قذائف الهاون على أحياء في وسط دمشق لم تؤدِّ إلى وقوع إصابات. وقال المرصد السوري في بريد إلكتروني: «تدور اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية وعناصر قوات جيش الدفاع الوطني و «حزب الله» اللبناني ومقاتلي لواء أبو الفضل العباس الذي يضم مقاتلين شيعة من جنسيات أجنبية (معظمهم عراقيون) من جهة ومقاتلي الكتيبة الخضراء التي تعرف باسم كتيبة «الاستشهاديين» وكتائب أخرى مقاتلة من جهة أخرى في بلدة السبينة» جنوبدمشق. وأشار المرصد إلى وقوع «خسائر بشرية في صفوف الطرفين»، مشيراً إلى «تنفيذ الطيران الحربي غارات جوية عدة على مناطق في السبينة ومحور بلدة حجيرة». وكان أفاد في وقت سابق عن قصف على مدينة معضمية الشام جنوب غربي العاصمة. وكان قتل السبت 11 مقاتلاً معارضاً في اشتباكات في الغوطة الشرقية والسبينة. كما قتل سبعة مدنيين، هم: رجلان وثلاث نساء وطفلان في السبينة، وعدد لم يحدد من عناصر قوات النظام والمجموعات المسلحة الموالية لها. في الوقت نفسه، تتعرض منطقة الحجر الأسود وحي العسالي في جنوب العاصمة لقصف من قوات النظام. وأشار المرصد إلى «اشتباكات عنيفة» على أطراف الحجر الأسود وأطراف حي برزة في الشمال. وذكرت الهيئة العامة للثورة السورية في بريد إلكتروني أن هناك «محاولة جديدة لقوات النظام لاقتحام» الحجر الأسود. وأفاد المرصد السوري منذ الجمعة عن «حملة للقوات النظامية ضد معاقل المعارضة في جنوبدمشق وريفها الجنوبي»، مشيراً إلى أن قوات النظام تقدمت في السبينة، وتحاول فرض «فكي كماشة» للفصل بين الأحياء الجنوبيةلدمشق والريف الجنوبي حيث معاقل أساسية لمقاتلي المعارضة. كما تضم الأحياء الواقعة على الأطراف الشرقية والشمالية لدمشق، جيوباً لمقاتلي المعارضة يحاول النظام استعادتها منذ فترة. وقد حقق تقدماً طفيفاً السبت في برزة. في المقابل، سقطت قذيفة هاون في ساحة التحرير في منطقة القصاع وأخرى على منطقة المزرعة في وسط دمشق من دون أن تؤديا إلى وقوع إصابات، وفق المرصد. ولقي ستة أشخاص حتفهم وجرح العشرات في قصف صاروخي هو الأول من نوعه على مدينة الباب شرق حلب الأحد، وذلك عقب سيطرة قوات النظام السوري على قرية العزيزية شمال مدينة السفيرة بريف حلب، فيما تحتدم المعارك في ريف حماة، ويتواصل القصف والاشتباكات على محاور عدة أخرى.