عرف التلفزيون المصري سياسة الحظر منذ سنوات، لكنها كانت سياسات «جنتلمان»، بمعنى أنها لم تكن يوماً منصوصاً عليها أو معلنة. فشاشات التلفزيون الرسمي طالما حظرت ظهور كل من أو ما يمثل الجماعات الدينية، لا سيما جماعة «الإخوان المسلمين» التي ظلت تلقب ب «المحظورة». ويخطئ من يعتقد أن شؤون الحظر التلفزيوني حكر على الشاشات الرسمية، بل هي الوجه الآخر من العمل الفضائي. فالعاملون في الفضائيات الخاصة، على رغم اختلاف مفهوم الحظر لديهم، يعلمون علم اليقين أن هناك من الشخصيات من يحظر ظهوره على الشاشة، لتعارض توجهاته وتوجهات القناة. لكنها المرة الأولى التي يصدر فيها قرار واضح بمنع ظهور شخصية بعينها. وكان السبق من نصيب تلفزيون الدولة الذي بادرت وزيرته الدكتورة درية شرف الدين بإصدار قرار بمنع المحامي مرتضى منصور من الظهور أو التحدث لأي من قنوات اتحاد الإذاعة والتلفزيون. الظهور المكثف لمنصور في ظل المشهد السياسي المصري الملتبس، جذب إعلانات في زمن عزت فيه، ورفع نسب المشاهدة في مرحلة بدا البعض فيها ينصرفون عن برامج الحوار، حتى أنه بأدائه الدرامي وصوته العالي وشتائمه التي تنال من الجميع والمذيلة بعبارة خالدة قوامها امتلاكه «سي دي» يدين هذا أو يفضح تلك، حتّم إعادة النظر في ما وصلت إليه حال برامج الحوار. حتى المشاهد الباحث دوماً عن الإثارة والمرحب دائماً بما خفي من معلومات والمستمتع مهما حصل بالتلويح بقضايا أخلاقية وفضائح مالية وخفايا سياسية، شعر بأن عروض المحامي الشهير على الهواء مباشرة تعدت الخطوط بألوانها المختلفة لا سيما الأحمر. عدد من القنوات الخاصة بادر باتخاذ قرار حظر ظهور المحامي الشهير على أثيرها، ولو بصفة موقتة، وذلك بعد ما انتفض الرأي العام المصري في مجمله مندداً بما يمثله منصور من قيادة لغة الحوار نحو منحنى بالغ الخطورة. فعلى رغم تصاعد أصوات تطالب بإعادة النظر في محتوى ما تقدمه برامج «التوك شو» ولغة الحوار التي تعمد أحياناً إلى التجريح والتشويه، وربما إشاعة الفرقة ونشر الفتنة لخدمة فصيل سياسي، فإن هذه الأصوات اعتبرت ظهور المحامي على هذه الشاشة أو تلك بمثابة إعلان بأن المادة المعروضة لا تناسب من هم دون سن ال18، أو ضعاف القلوب، أو المصابين بأمراض الضغط والسكري، أو حتى أولئك الذين يرون في أسلوب التجريح والتشهير ما يؤذي مشاعرهم. وعلى رغم أن كثراً لم يسمعوا بميثاق العمل الإعلامي، فإن الأحاديث الدائرة حالياً تصب في خانة البحث عن مواثيق تمنع شيوع هذا النوع من التجريح المصحوب بالشتائم والذي يدخل البيوت من دون استئذان. المفارقة المضحكة المبكية هي أن الرد جاء سريعاً، إذ فوجئ المصريون، ببرنامج يقدمه منصور يمتد ساعات، حيث لا ضيوف أو تقارير أو مداخلات، فقط مرتضى منصور.