اقترح الاتحاد الأوروبي على دوله الأعضاء إدخال تعديلات ميكانيكية على صناعة السيارات بحيث لا تزيد السرعة القصوى لأية سيارة تسير في طرق وشوارع مدن بلدان أوروبا على 120 كيلومتراً فقط، للحد من ارتفاع أرقام ضحايا الحوادث المرورية! بالطبع الاتحاد الأوروبي المقصود في هذا الخبر هو الكيان السياسي لدول المجموعة الأوروبية، وليس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي يرأسه ميشيل بلاتيني. وإذا كان الاقتراح أوضح مدى حرص حكومات أوروبا على حياة البشر عندهم، فإن اتحادهم الكروي مطالب هو الآخر بأفكار وتشريعات مماثلة للحد من السرعة الجنونية التي تسير بها مركبة صناعة كرة القدم والتي قد تقود إلى انقلابها، مما ينذر بكارثة اقتصادية تضر بمستقبل اللعبة وأنديتها في أوروبا وخارجها! لن أستخدم التعبير «القاسي» الذي استخدمه مارتينو مدرب برشلونة في وصفه صفقة ريال مدريد القياسية بالتعاقد مع الفتى الويلزي غاريث بيل بأنها «إهانة للبشر»، حتى لا يتصور البعض أنني طرف في حمى المنافسة بين البرشا والريال، ولأن نيمار وصل للتو إلى برشلونة في مقابل 53 مليون يورو، لكنني سأخفف تعبيري بوصفها صفقة «جنونية» ستؤدي إلى مزيد من المبالغة في أسعار سوق نجوم اللعبة في العالم.. إنها أشبه بقرار حكومي بزيادة أسعار الوقود، مما يستتبعه من زيادة فورية في أسعار سلع السوق كافة بغض النظر عن نظرية العرض والطلب! عندما يشتري نادي مثل ريال مدريد لاعب لم يصنع مجده بعد ب120 مليون دولار، فكيف يمكن تصور قيمة التعاقدات المقبلة لنجوم يثيرون بالفعل هوس العالم؟ لعل فلورينتينو بيريز بصفقته المثيرة للجدل هذه يريد أن يثبت للعالم أن ناديه بالفعل اسم على مسمى، «ملكياً».. ليجمع في فريق واحد أغلى لاعب في العالم ووصيفه المدلل كريستيانو. في اليوم الذي فرح فيه المدريديون بقدوم بيل طويل القامة والمقام، حزنوا لرحيل الألماني أوزيل إلى أرسنال في مقابل 66 مليون يورو. وللضرورة أحكام، فالريال من دون بيع أوزيل لن يستطيع تمويل صفقة بيل.. ومن المفارقات أن يغادر النادي الملكي إلى ميلان في اليوم ذاته ومن دون ضجيج البرازيلي الأنيق كاكا، ليتقاضى بموجب عقده الجديد 4 ملايين يورو فقط سنوياً، ويا بلاش! لا شك أن قيمة صفقة بيل ستضع ضغطاً هائلاً عليه وعلى بيريز وأنشيلوتي معاً.. سيتربص الأنصار والمنافسون على حد سواء بما سيقدمه النجم الويلزي صاحب الخلق المتواضع والذي لن يقبل منه أحد أي تواضع في الأداء، بل ينتظرون منه كل ما هو خارق، وهو ما يجعلني أشفق عليه من البداية.. ولعل متابعة أعداد الجماهير التي استقبلته في إستاد «برنابيو» وحجم مبيعات فانلاته، ما هي إلا بداية والقادم أشد تربصاً. والملفت أن بلاتيني الذي يضع ميزانيات الأندية الأوروبية تحت المراقبة والمُساءلة المالية، لا يكترث في الوقت ذاته بقيمة صفقات بيع وشراء اللاعبين، وإن كنت أتصور أن عدم اكتراثه هذا لن يطول، مع توالي هذه الصفقات الاستفزازية ليس لمن يلعبون كرة القدم وحدهم، بل لكل من يرتدى شورتاً وفانلة ويرتبط بأية لعبة في دنيا الرياضة.. فهل سيتحرك الفرنسي الحالم بمقعد رئاسة «فيفا» ليعلن أن ال120 مليون دولار ستكون مثلاً سقفاً لصفقات الانتقالات لعقد مقبل من الزمان، أسوة بساسة الاتحاد الأوروبي وسرعة سياراتهم التي يريدونها ألا تتجاوز ال120 كيلومتراً؟ لا أظن أن بلاتيني سيقدر على ذلك مع تعاظم قوة ونفوذ أندية أوروبا الكبيرة ومالكيها الذين يعملون بشعار: «فلوسي وأنا حر فيها..»! البريطانيون بالمناسبة رفضوا فكرة صناعة السيارات المحددة السرعة لتأثيرها على مبيعات السيارات الفارهة، وسخروا أيضاً من اقتراح الاتحاد الأوروبي قائلين: «حياتنا ونحن أحرار فيها..»! والطريف أنني عندما استمعت لنبأ السيارات عبر الراديو، كنت أقود سيارتي على الطريق من دبي إلى أبوظبي للحاق بموعد، وحينما نظرت إلى عداد السرعة ضحكت وقلت: «تحيا بريطانيا» ومعها «الدوق بيل» علشان خاطر عيونها..!