يُحكى أن عثمان بن أرطغرل، مؤسس الدولة العثمانية، كان يطمع بالزواج من ابنة رجل صالح، وكان هذا الرجل يصده ويمنعه. وذات ليلة، نام عثمان في بيت الرجل الصالح، فلما كان من الغد، قصّ عليه عثمان رؤية عجيبة رآها في منامه. رأى عثمان أن القمر صعد من صدر الرجل الصالح، وبعد أن اكتمل القمر بدراً، نزل إلى صدر عثمان، ثم لم يلبث أن خرجت من صلبه شجرة، ونمت في الحال حتى غطت بظلالها الأكوان، وانفجر من جذعها مياه النيل ودجلة والفرات والطونة، ورأى أوراق الشجرة كالسيوف والريح، تحوّلها نحو مدينة القسطنطينية! وللأمانة، فأنا لست متأكداً من ما إذا كان جد العثمانيين قد ضحك بهذه الرؤية المثيرة للخيال على الرجل الصالح، لكي يرضى به بعلاً لكريمته أو أن نسل عثمان من بعده ابتدعوا تلك الرؤية، ليقدموا أنفسهم للعرب والمسلمين ملوكاً عليهم وقادة لهم، ليعيدوا معهم الأمجاد القديمة! عموماً، عندما يُقلّب المرء صفحات التاريخ الإسلامي، فإنه يجد أن النبوءات والرؤى والأحلام كثيراً ما تتشابك مع الواقع، ودائماً ما تطرح نفسها، وكأنها قراءات صادقة وباكرة لخفايا المستقبل وأسراره. فما من نبوءة لشيخ طاعن أو رؤية لشاب يافع إلا واستوت حقاً وحقيقة، وغالب الظن عندي أن تلك النبوءات والرؤى ما هي إلا إضافات أطلقها فئام من الناس، وروّج لها الرواة والمؤرخون بغرض «تبهير» الأحداث التاريخية وأسطرة شخصياتها. ومن الجائز أن يكون للسلطة السياسية، ولعلمها المسبق بتعلق العقلية العربية بالغيبيات، دور في ترويج مثل تلك النبوءات والأحلام بقصد توظيفها في تأبيد وجودها وتبرير تسلطها. وكما احتلت الأحلام مساحة واسعة في ذاكرة التاريخ السياسي، فإن جماعات الإسلام «التأسلم» المعاصرة، وعلى اختلاف مشاربها وتباين دراجاتها لا تكف عن التلويح بورقة النبوءات والأحلام، مستغلةً موقعها الديني في قلوب الدهماء للتلاعب بمشاعرهم وعقولهم. فعندما تذهب إلى موقع «غوغل» وتكتب، مثلاً، كلمة «ابن لادن» مع إضافة كلمة أخرى مثل رؤية أو نبوءة، فسينهمر عليك شلال من الروابط التي تتحدث عن أحلام رآها «ابن لادن» في فراشه أو عن أحلام رآها أناس عن شيخهم في حياته ومماته. ولا ريب عندي أن الهدف من وراء تسويق تلك «الأكاذيب» هو لاستدرار تعاطف السذج وإلهاب حماستهم، بخاصة عندما يتم حشو تلك الأحلام بعناصر «ميتافيزيقية» من رايات سود مقبلة من المشرق وملائكة معصوبة الرؤوس. وعندما تجمع قادة جماعة الأخوان وأنصارهم في ميدان رابعة العدوية، أخذ بعض «دجاليهم» في ترويج رؤى وأحلام لا يصدقها إلا من غُسلت أدمغتهم، وذلك بقصد تثبيت قلوب أتباعهم وبثّ الرعب في قلوب خصومهم. أحد «المكشوف عنهم الحجاب» قال إنه رأى جبريل ينزل من السماء إلى جامع رابعة العدوية، لكي يشد على أيدي أحفاد «البنا» القابضين على جمر دينهم! ثم نام ليلة أخرى، فرأى فيها مجلساً ضمّ الرسول، صلى الله عليه وسلم والمعزول مرسي، فلما حانت الصلاة قدّم الرسول، صلى الله عليه وسلم، مرسي ليؤمهم! ونام آخر من الإخوان المبروكين، فرأى في منامه ثماني حمامات وادعات فوق كتفي صاحبهم المعزول، فقيل في ذلك أن مرسي سيحكم ثمانية أعوام عجاف، والكلمة الأخيرة هي من عندي! وعلى رغم أن مرسي ورؤوس جماعته هم الآن في قبضة العسكر، إلا أن الجماعة لا تتعب من نسج خيوط أحلامها ولا من تشييد قصور أمانيها في الهواء، فها هو أحد مشائخهم يبشر المؤمنين الصابرين من الإخوان بأن زعيمهم المعزول سيخرج يوماً من السجن إلى الحكم تماماً، كما جرى مع نبي الله يوسف! أتحسب أن أصحاب تلك الرؤى والأحلام الخائبة هم من السوقة والجهلة؟ «لا»، فما من أحد منهم ينطق اسمه إلا ويسبقه حرف الدال، ولكن لا أقول غير قاتل الله التكالب على الكرسي الذي أعمى بصرهم وبصيرتهم، وأوقعهم في الكذب على الله ورسوله وعلى المساكين ممن ساروا وراءهم وآمنوا بهم! [email protected]