اندفع الأديب الفرنسي «بلزاك» نحو الكتابة بجنون، وانتقل من غرفته البائسة إلى شقة متواضعة كان يعمل فيها 14 ساعة في اليوم الواحد، فكان ينام في السادسة مساء ويستيقظ منتصف الليل، ويستمر في العمل حتى مساء اليوم التالي، مجهداً نفسه وبشدة، مقاوماً النوم مقاومة عنيفة، مستعيناً على ذلك بشرب القهوة، حتى لقد أحصى أحد أصدقائه فناجين القهوة التي شربها في السنوات ال20 الأخيرة من حياته فوجدها 50 ألف فنجان، فإذا هو جهد مضن بنتائج متناقضة، فمن الناحية الشخصية انهارت صحة الرجل بصورة سريعة، أما من ناحية أدبه فقد أنتج إنتاجاً هائلاً قارب ال 70 رواية في أقل من 30 سنة، فكان أحياناً يكتب الرواية في 6 أسابيع، كما حدث في إحدى روائعه المسماة «لويس لامبير»، والتي يقارنها النقاد برواية «فاوست» للأديب الألماني جوته، إنما بفارق أن بلزاك كتب روايته في 6 أسابيع، بينما كتبها جوته في 60 عاماً، ومما يدل على حجم جهد بلزاك أنه كان يكتب 5 روايات ضخمة في سنة واحدة، وبالطبع فإن غزارة الإنتاج لا تثبت موهبة ولا تؤكد عبقرية، ولكن عندما يكون الإنتاج غزيرا.ً وتكون له في الوقت نفسه قيمة فنية وإنسانية عالية، فهذه هي الموهبة الحقيقية، حتى إذا أقبل عام 1850، إذا ببلزاك قد وصل إلى قمة الشهرة والمجد، وبدأ يجني ثمارهما، فأثث بيتاً فاخراً في باريس حقق فيه أحلامه، وتزوج من امرأة بولندية ارستقراطية كانت حبه الأخير، ومع هذا لا يكاد يصل إلى ال52 من عمره حتى يسقط بعد زواجه ب3 أشهر ميتاً، متأثراً بذبحة صدرية لم يتحملها قلبه المتعب من الإرهاق وشرب القهوة ومقاومة النوم. كلمة أخيرة: يقول نابليون بونابرت إن الحياة بلا عمل عبء لا يُحتمل، وهو كلام صحيح، ففي العمل قدرة على تزويدنا بمناعة ضد الألم والوقت الضائع يحاصرنا بالهموم والاكتئاب، إنما التوازن يكمن في الاتجاه العاقل في طلب الدنيا دائماً، والعمل بساعاته الطوال هو الفخ الذي قد يقع فيه المرء، سواء أكان يحب طبيعة هذا العمل، أم فرضته عليه تكاليف الحياة فلم تسمح له برفاهية الاختيار، وكم من أثرياء حسدوا على نعيمهم، فإذا سألتهم عن لون الورد في حديقة منزلهم، حاروا في الجواب، ولهؤلاء نقول إن المقابر تضم رفات بشر كان منهم من اعتقد جازماً بتعطل الأمور من بعده، فإذا بالدنيا مستمرة... به ومن دونه. يقول جبران خليل جبران: «احذر القلق والغضب واليأس فهم أعدى أعدائك»، فهل أزيد وأضيف: واحذر عدم الشبع، فثمن الصحة فادح، ولكن ثمن الحياة أفدح. وقالوا: «إنني أشعر حقاً بأنه إذا كان المرء ناجحاً، فعليه أن يرد ما عليه للآخرين، سواء في شكل أعمال خيرية، أم إسهامات للمجتمع، أم في التعليم، وإذا لم يفعل هذا، فإنه لن يشعر أبداً بالإشباع والرضا في حياته» (دونالد ترامب). [email protected]