الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    .. وتعزي رئيس إندونيسيا في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية    منتدى الاستثمار السعودي - الروسي: توقيع اتفاقية الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول    الريادة الاقتصادية    كيف يمكن تحقيق التحول الصناعي؟    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. الرياض تستضيف المؤتمر الدولي لسوق العمل    تعزيز الصادرات السعودية إلى سورية    وزير الطاقة: آلية (أوبك بلس) عادلة وتدعم استقرار الأسواق    منح العفو ل«نتنياهو» بشرط إعلان تنحيه عن العمل السياسي    اعتداء جديد للمستعمرين يعطل مصادر المياه في «رام الله»    محاميه السابق: ليس قبل «الاعتراف».. انقسام حاد في إسرائيل حول عفو نتنياهو    قوات الاحتلال تحتجز فتاة وتعتقل طفلًا    علماء الآثار الروس يكتشفون آثارًا فنلندية وقطعًا معدنية عربية في منطقة إيفانوفو    الدبلوماسية الخليجية تعيد تشكيل خريطة الإقليم    في قمة الجولة 15 من الليغا.. برشلونة يواجه أتلتيكو مدريد لتأكيد الصدارة    سمو أمير قطر يفتتح كأس العرب    خربين يقود المنتخب السوري للفوز على نظيره التونسي    نحو مجتمع أكثر صحة وحيوية    حارس الأردن: بطل كأس العرب آسيوي    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    أمير الرياض يلتقي مديري الشرطة والمرور.. ويتسلم تقرير "البرهان"    شراكة مؤسسية تمهد لدمج أوسع لذوي التوحد في الاقتصاد    هنيدي خارج السباق الرمضاني    التعالي الصامت    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    «البحر الأحمر السينمائي» يكشف عن برنامجه الشامل    تطوير قمر لرصد الطقس الفضائي    مقومات السعادة    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    البروفيسورة حياة سندي تنضم لجائزة Galien    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    الفيصل يدعم الأخضر قبل مواجهة عُمان في كأس العرب    انطلاق دوري البادل 2025 في الرياض بمشاركة 26 نادياً    عد الأغنام لا يسرع النوم    لوجكستا لعلاج الكوليسترول الوراثي للأطفال    اختراق أمني يستهدف ChatGPT    وفاة أول معمرة في روسيا    اتساع أزمة الإمدادات عالميا أسعار النحاس تقفز إلى مستوى قياسي    الأمير عبدالعزيز بن سعود يُكرّم الفائزين في كأس نادي الصقور 2025    125 مشروعا تمت ترسيتها منذ بداية العام    تقنية تعيد تمييز الروائح للمصابين    تهنئة رومانيا وأفريقيا الوسطى بذكرى الأعياد الوطنية    جامعة نايف تجمع خبراء العالم لمناقشة مستجدات الأدلة الجنائية    الشورى يقر تعديلات في مشروع نظام حقوق المؤلف    تكريم الفائزين بجائزة التميز للباعة الجائلين في الدمام    دورة علمية للدعاة والأئمة والخطباء بجزيرة لومبوك الإندونيسية    والد الشاعر عائض آل دخيش في ذمة الله    نزاهة توقف 113 متهما في قضايا فساد في 5 وزارات    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    نائب أمير مكة يستعرض آخر ترتيبات موسم الحج    تخصيص خطبة الجمعة للحديث عن النزاهة ومحاربة الفساد    من «داكوتا» إلى «إف - 35»... استثمارات سعودية تبني قوة السماء وتحمي اقتصاد الوطن    أمير منطقة جازان ونائبه يطمئنان على صحة مدير عام التعليم ملهي عقدي    بحضور محافظ جدة .. القنصلية العمانية تحتفل باليوم الوطني لبلادها    القيادة تعزّي الرئيس الصيني في ضحايا حريق المجمع السكني بهونغ كونغ    أمير منطقة جازان يقدم واجب العزاء لأسرة المحنشي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدن بلقانية نشأت حول جوامعها
نشر في الحياة يوم 05 - 09 - 2009

في مقالة سابقة لي عن «قلب تيرانا العثمانية» وردت الإشارة الى أن مدينة تيرانا الجديدة انما نشأت حول الجامع الذي أنشأة سليمان باشا في مطلع القرن السابع عشر، ومن ثم تطورت لتصبح عاصمة ألبانيا التي استقلت عن الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين (1920).
وفي الواقع ان هذا يمثل نموذجاً من ظاهرة عمت البلقان خلال الحكم العثماني، ألا وهي نشوء المدن الجديدة حول الجوامع التي أسست في بدايات الحكم العثماني، وبالتحديد خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وما كان يحدث هنا أن بعض أبناء المنطقة ممن ارتقوا الى أعلى المناصب في الدولة العثمانية (ولاة، ووزراء...) كانوا يحرصون على أن يبنوا شيئاً يخلدهم في مسقط رأسهم. وفي العادة كان هذا يتمثل في مجمع عمراني يتألف من جامع وحمام وخان وسوق في اطار الوقف، حيث يقوم السوق بسد نفقات الجامع (رواتب الإمام والخطيب والمؤذن وترميم الجامع). وحسب الموقع كان هذا المجمع العمراني يتحول الى نواة عمرانية تنمو بسرعة بعد نشوء الأحياء الجديدة حوله من سكان المناطق المجاورة ويتحول الى قصبة (بالتعبير الاداري العثماني) ثم الى مدينة متوسطة أو كبيرة حسب الظروف التي تواكب نموها وتطورها.
ويكفي هنا ان نشير الى بعض النماذج مثل الوالي عيسى بك الذي يشار إليه باعتباره «مؤسس سراييفو»، والصدر الأعظم سنان باشا الذي يذكر باعتباره ايضاً «مؤسس كاتشانيك» في جنوب كوسوفا، والوالي الياس بك الذي يعتبر «مؤسس كورتشا» في جنوب ألبانيا.
ويمكن القول إن الأمر المشترك بين هذه الشخصيات المعروفة والمدن التي أسسوها بفضل وقفهم للنواة العمرانية المؤسسة للمدن المذكورة هو انهم يعودون الى وقت واحد تقريباً (القرن الخامس عشر). فقد أسس عيسى بك وقفه في 1462 نواة عمرانية تضم زاوية تقدم الطعام والمبيت المجاني وحماما وسوقا بعد الجامع الذي بناه ، وبعد بناء سراي الوالي أصبحت تسمى «سراي بوسنة» ثم « سراييفو».وقام سنان باشا في 1594-1595م ببناء جامع وحمام وخانين ومدرسة في مدخل مضيق كاتشانيك الذي يفصل بين سهل كوسوفا وسهل فردار( مكدونيا)، والذي كان ملجأ لقطاع الطرق .وقد أضاف ابنه محمد باشا بعض المنشآت التي ساعدت على تحول هذه النواة العمرانية بسرعة الى قصبة في 1600. وفي جنوب ألبانيا قام الياس بك عام 901ه (1495-1496م) بإنشاء نواة عمرانية (جامع وزاوية لتقديم الطعام ومدرسة) في قرية بسكوبيه قرب «غوريتسه» التي يبدو انها كانت حصناً عسكرياً من عهد التوسع السلافي في ألبانيا.وبهذه النواة نشأت لدينا قصبة جديدة حملت اسم «كورتشا» في الألبانية و «قوريجه» في العثمانية. وقد تطورت هذه القصبة خلال القرنين اللاحقين حتى أصبحت أكبر مدينة في شرق ألبانيا.
وفي ما يتعلق بالياس بك ميراخور تشير المعطيات الى انه من أبناء المنطقة (جنوب ألبانيا)، وقد أخذ في طفولته في إطار نظام «الدفشرمة» حيث ارتقى في الانكشارية حتى وصل الى منصب «ميراخور» (الذي يعني مسؤول الاصطبل السلطاني) في عهد السلطان بيازيد الثاني (1481-1512م).
وتشير اللوحة الموضوعة على مدخل الجامع الى ان تاريخ بنائه يعود الى 901 ه (1495-1496م)، ما يجعله أقدم جامع في ألبانيا ومن أقدم الجوامع في البلقان. ويمثل هذا الجامع العمارة العثمانية المبكرة في القرن الخامس عشر، حيث إن العمارة الإسلامية اكتسبت لاحقاً مع انتشار الإسلام في ألبانيا ملامح محلية ألبانية، خاصة منذ القرن الثامن عشر.
ومع تأسيس هذا المجمع نشأت حوله اولى المحلات السكنية وتحولت كورتشا بسرعة الى قصبة ثم الى مدينة معتبرة في جنوب ألبانيا بعد قرن من الزمن. وقد ولد في هذه المدينة المؤرخ قوجي بك الذي يعتبر «مونتسكيو العثماني» حيث اشتهر بأفكاره الإصلاحية في القرن السابع عشر. كما نشأ في هذه المدينة في القرن الثامن عشر والد محمد علي باشا، الذي انتقل لاحقاً الى كافالا ( قولة) ومنها الى مصر ليصبح والياً في 1805 وليؤسس هناك دولة حديثة.
وعلى الرغم من الأهمية التاريخية الكبيرة لجامع الياس بك باعتباره أقدم جامع موجود في ألبانيا، الا ان وضعه الحالي في خطر ويتطلب التدخل العاجل.
وقد تضرر الجامع اولاً من زلزال 1960 الذي دمر المئذنة الرشيقة التي كانت ترتفع 40 متراً الى مستوى القبة الرئيسة، وبقي الجامع دون مئذنة من ذلك الوقت.
ولكن الخطر الأكبر جاء عام1967 عندما اصدرت السلطة الشيوعية «مرسوم منع الدين» والذي قامت بموجبه بإغلاق كل الجوامع في ألبانيا. ونتيجة لهذا المرسوم دمر بعض الجوامع وتحول بعضها الآخر الى مبان لأغراض مختلفة (تجارية ورياضية الخ).
ونجا من هذا المصير جامع الياس بك باعتباره من «الآثار الثقافية» ولكنه لم يحظ بأي اهتمام من معهد الآثار الثقافية طيلة السنوات اللاحقة. وبسبب هذا الإهمال تضرر كثيراً الغطاء الرصاصي الذي كان يغطي القبة منذ خمسة قرون.
وقدمت المشيخة الإسلامية في كورتشا خلال السنوات الأخيرة عدة طلبات الى معهد الآثار الثقافية تطلب فيها التدخل العاجل لإنقاذ الجامع. وقد خصص معهد الآثار الثقافية أخيراً مبلغاً رمزياً لايتعدى 2 مليون لك (20 ألف دولار) لأجل إعادة بناء المئذنة التي هدمت عام1960.
ومن المأمول ان يساعد هذا المبلغ الرمزي في إعادة الاهتمام بهذا الجامع الذي يمثل قيمة تاريخية بالنسبة الى الإسلام والمسلمين في ألبانيا.
* أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت/الاردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.