أُصيب طفلها الوحيد الذي رزقت به بشق النفس، بارتفاع في درجة الحرارة وتورم في أسفل الأذن. أخذته إلى الطبيب وبعدما فحصه ملياً قال للأم: ابنك مصاب بمرض «أبو كعيب». وقع كلام الطبيب على الوالدة وقع الصاعقة، فمنذ أن وعت على هذه الدنيا وهي تسمع أن «أبو كعيب» يؤدي إلى عدم القدرة على إنجاب الأطفال، من هنا خوفها على فلذة كبدها ألا ينعم بالذرية لاحقاً. السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل يسبب مرض أبو كعيب فعلاً العقم؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال المهم، حري بنا أن نلقي نظرة خاطفة على هذا المرض. إن «أبو كعيب» هو تعبير شعبي أو عامي يطلق على التهاب الغدة النكفية التي تقع إلى جانب الأذن وأسفلها. وكان أبقرط أول من وصف هذا المرض في القرن الخامس قبل الميلاد، إلا أن اكتشاف العامل المسبب له لم يتم إلا بحلول العام 1934. والعامل المسبب لالتهاب الغدة النكفية هو فيروس ينتقل من شخص إلى آخر من طريق اللعاب أو بواسطة القطيرات الملوثة المنتشرة في الهواء الذي نستنشقه أثناء السعال والعطاس، ويمكن العدوى أن تحدث عند ملامسة الأدوات والأسطح الملوثة. وتراوح فترة حضانة المرض (أي الفترة الممتدة بين الإصابة بالمرض وظهور العوارض) من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. والأطفال من 5 إلى 15 سنة هم من أكثر ضحايا التهاب الغدة النكفية، ولا يسلم الكبار من شرّه. ومن أكثر العوارض التي تميز مرض «أبو كعيب» تورم الغدة التي تقع في محاذاة الفك أمام الأذن وفي أسفلها، ويظهر التورم في جانب واحد في ربع الحالات، لكنه يحدث في الجانبين في 75 في المئة من الحالات. ويمكن أن يشكو المصاب من الصداع الشديد ومن الحمى والتعب والألم في العضلات. ويعاني الطفل من ألم في أذنه كلما قام بعملية المضغ أو البلع. ويكون مرض التهاب الغدة النكفية معدياً خلال الأيام الستة التي تسبق تورم الغدة أو في خلال الأيام الأربعة التي تلي تورمها. في المقابل، يمكن مرض «أبو كعيب» ان يكون خفيفاً لطيفاً في بعض الحالات إلى درجة لا تمكن ملاحظته. لا يوجد علاج خاص بالمرض، لكن يمكن التخفيف من وقعه على المصاب من خلال الارشادات الآتية: - عزل المريض ومنعه من مخالطة الآخرين. - الراحة المطلقة في السرير. - إعطاء المسكنات وخافضات الحرارة إذا لزم الأمر. - شرب السوائل وإعطاء الطعام اللين. - عدم تناول الحوامض أو الخل. - التقيد بالقواعد الصحية السليمة كغسل اليدين، وتغطية الأنف والفم عند العطس أو السعال. - عدم استعمال أدوات المريض. - التهوئة الجيدة للمنزل. كيف تتم الوقاية؟ إن الإصابة بمرض «أبو كعيب» تعطي مناعة دائمة، لكن الضمانة الأكيدة للوقاية من الإصابة تتم بأخذ اللقاح الثلاثي ضد الحصبة، والحصبة الألمانية، والتهاب الغدة النكفية، وذلك على صورة جرعتين، الأولى في السنة الأولى من العمر، والثانية في عمر الرابعة. ما هي مضاعفات أبو كعيب؟ يمكن أن يسبب التهاب الغدة النكفية طيفاً واسعاً من المضاعفات التي تشمل: 1- التهاب السحايا، وهو من المضاعفات الشائعة للمرض، ويمكن أن يحدث هذا الالتهاب بعد انتقال الفيروس المسبب من طريق مجرى الدم ليصب في الجهاز العصبي المركزي، خصوصاً السحايا (أي الأغلفة المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي). إن غالبية حالات الإصابة تكون لا عرضية ويمر الالتهاب مرور الكرام، لكن فقط وفي نسبة لا تتجاوز ال 10 في المئة من بين هؤلاء قد يعاني المصاب عوارض التهاب السحايا التي تتمثل بصلابة النقرة، والصداع، والحرارة، والغثيان، والخمول، والنعاس. إن مسيرة التهاب السحايا حميدة وتنتهي بالشفاء الكامل تدريجاً في معظم الحالات من دون تسجيل أضرار. 2- التهاب الدماغ، لقد كان التهاب الغدة النكفية أحد أهم مسببات التهاب الدماغ قبل ستينات القرن المنصرم، لكن لحسن الحظ تغيرت تلك الصورة في شكل كبير بعد ظهور اللقاح الواقي. 3- التهاب البانكرياس، يمكن الفيروس المسبب لالتهاب الغدة النكفية أن يحط رحاله في غدة البانكرياس فيعاني المصاب الآلام في البطن، والغثيان، والتقيؤات، والجفاف، والارتفاع الطفيف في الحرارة، وقد يرتفع مستوى السكر في الدم. 4- التهاب المبيض، وقد يشاهد في حوالى 7 في المئة من المصابات، لكنه لا يسبب العقم بأي حال من الأحوال. 5- التهاب المفاصل. 6- الصمم العصبي. 7- التهاب الغدة الدرقية. 8- التهاب الغدد الدمعية. 9- التهاب العضلة القلبية. 10- التهاب الخصية، وينتج منه تورم في خصية واحدة أو في الخصيتين معاً، إضافة إلى الاحمرار في غلاف الخصية، والحمى العالية، والصداع، والقشعريرة، والألم في أسفل البطن، والألم في الخصية، وقد يؤدي هذا الالتهاب الى ضمور جزئي في الخصية ونقص في عدد الحيوانات المنوية. ويحصل التهاب الخصية بعد حوالى ثمانية أيام من إصابة الغدة النكفية، لكنه قد يحدث من دون أن تقع الغدة ضحية الالتهاب. وعلى الأهل مراقبة المضاعفات والاتصال بالطبيب فوراً عند المعاناة من التقيؤات المتكررة، وتصلب الرقبة، واستمرار تورم الغدة لأكثر من أسبوع، واستمرار الحمى لأكثر من أربعة أيام، واستمرار آلام البطن والخصية. بقي أن نعرض أربع نقاط تتعلق بأبو كعيب: النقطة الأولى، إن التهاب الغدة النكفية مرض فيروسي لا تفيد فيه المضادات الحيوية، ويأخذ الالتهاب سيره الطبيعي الكامل الذي ينتهي بالشفاء خلال أسبوعين، إذا لم تحدث اختلاطات. النقطة الثانية، إن مرض أبو كعيب لا ينتقل من طريق الجلد كما يشاع. النقطة الثالثة، إن التهاب الغدة النكفية يمكن أن يسبب مضاعفات عدة، لكنها كلها نادرة الحدوث. النقطة الأخيرة، هناك تهويل ومبالغة حول تأثير مضاعفات التهاب الغدة النكفية في القدرة الإنجابية للذكور. إن العقم وارد بعد الإصابة بالتهاب الغدة، لكنه نادر جداً، وليس أمراً حتمياً كما تسوّق له الروايات الشعبية المتناقلة عبر الأجيال.