تناولت أفلام عربية مختلفة مشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية في الدورة الثامنة من مهرجان أبوظبي السينمائي التي تختتم نهاية الشهر الحالي، إشكاليات الذاكرة والنسيان. وفي فيلم "وادي" الجزء الثاني من ثلاثية لغسان سلهب، قدّم المخرج اللبناني رؤيته للوضع في لبنان، الواقف دائماً على عتبة كارثة، من خلال شخص يصاب بفقدان الذاكرة إثر حادث سيارة. ويخرج غسان سلهب من فضاء المدينة الذي صور في داخله أفلامه الأولى، إلى فضاء واسع يظهر في منطقة معزولة داخل مزرعة، يتشكل فيها الحدث المختزل ضمن مجموعة من الأشخاص تحاول العمل في تجارة المخدرات. يبدأ الفيلم بحادث سير، ثم يظهر رجل (كارلوس شاهين) يتضح سريعاً أنه فاقد للذاكرة، ما يطرح مشكلة على المجموعة التي تقرر اصطحابه الى المزرعة. وحتى اللحظات الأخيرة من الفيلم، تدور الحبكة حول كيفية إعادة الذاكرة له أو التخلص منه. وتعتمد سينما غسان سلهب المعتمة الغامضة دائماً، على الرمزية وهي تتضمن معاني مبطنة ترتبط بتهديد ما مستمر. فالشخصيات تعيش دائماً على إيقاع كارثة تنذر بأن تحل في أي لحظة، لكنها غير واضحة المعالم. ويقول المخرج إن "النيات ليست واضحة وهي ليست فقط بالأسود والأبيض". وفقدان الذاكرة في الفيلم اللبناني، يقابله اجتهاد في التذكر في فيلم المخرج العراقي الكردي شوكت أمين كوركي في فيلمه الروائي الثالث "ذكريات منقوشة على الحجر". ويستعيد المخرج الذاكرة العراقية ويصور وطناً آخر حلت به الكارثة وأصابته لعنة الهويات القاتلة. والنبش في الذاكرة مهمة يضطلع بها فيلم عراقي آخر، هو باكورة أعمال المخرج رعد مشتت الروائية، وفيها يعود إلى ريف العراق في قرية جنوبية ويصور قصة التفافية تفتح ثغرة في ذاكرة الصمت، "صمت الراعي" عنوان الفيلم. والفيلم يصور اللحظات التي سبقت خروج الطفلة زهرة من بيتها العام 1988 لجلب الماء ، لكنها لا تعود ولا يعرف احد أين اختفت سوى الراعي الذي يفقد القدرة على الكلام، بينما تتحكم بالعائلة الرغبة في الانتقام واستعادة الشرف والشك... غير أن الراعي يكشف في نهاية المطاف سر اختفاء الطفلة زهرة التي كانت شاهدة لاإرادية على مجزرة، فقرر الجنود قتلها، في شكل رمزي عند احتلال الأميركيين بغداد العام 2003. ويكشف رعد مشتت أن فكرة العمل مستندة إلى واقعة نشرتها الصحافة العراقية، حول فتاة تختفي ويعتقد أهلها أنها خطفت لتتزوج بشخص تحبه، لكن التحولات التي أتت بعد خمسة عشر عاماً تكشف الحقيقة. بين فقدان الذاكرة وضياع الأمل والعثور على الصوت، تتنقل هذه الأفلام الثلاثة في الذاكرة الجماعية، لتصيغ في السينما وقائع لا تنتهي.