أخذ الطفل يشق الصفوف لحظة إقامة صلاة العشاء وهو يعتمر شماغاً أحمر ويضع يديه النحيلتين على طرفي شماغه المنسدلين، نظر إليه أحدهم باستغراب وكاد ينهال عليه تأنيباً، لكنه فوجئ به بمجرد انتهاء الإقامة يقترب من الإذاعة وينفخ فيها من روحه استعداداً للتكبير. القارئ تركي أحمد مبارك الفلاحي الذي يستعد العام المقبل للانضمام مع زملائه إلى فصول الصف السادس الابتدائي في قريته البسيطة، يؤم الناس في صلاة التراويح في مسجد قريته ويصلي وراءه كبار رجالها، بعد إتمامه حفظ خمسة وعشرين جزءاً من القرآن الكريم. ولد تركي الفلاحي عام 1421 ه بقرية الفلحة إحدى ضواحي وادي حلي جنوب محافظة القنفذة، وانضم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي تشرف عليها جمعية تحفيظ القرآن الكريم بوادي حلي (حافظ)، وامتاز بسرعة الحفظ وجودته، وحصل على تقدير امتياز في دورتين سابقتين لمشروع (حافظ) الذي تقيمه الجمعية في فرعين أحدهما مقداره «15 جزءاً» ، والآخر «21 جزءاً». شارك تركي الفلاحي في مسابقات ملتقى شباب مكة التي تنظمها إمارة منطقة مكةالمكرمة بالتعاون مع كافة الإدارات الحكومية، وحصل على المركز الأول في تصفيات الملتقى المقامة في محافظة الليث، وحصل على المركز الثاني في نهائيات الملتقى على مستوى منطقة مكةالمكرمة. يملك الطفل سمتاً هادئاً أضفى عليه حفظ القرآن من الألق والمهابة الكثير، ويغلب عليه الصمت العميق، ويذكر له إمام المسجد طاعته لوالديه، وحرصهما في المقابل على حفزه وتلبية مطالبه طمعاً في أن يروه من القرّاء البارزين الذين يخدمون دين الله عبر محراب المسجد، ويتمتع الفلاحي الحافظ لكتاب الله بحب أقرانه له، ويؤكد إمام المسجد أن اجتهاده لم يؤثر على طبيعته التلقائية إذ كثيراً ما يهوى لعب كرة القدم إلى جانب مدارسته المكثفة للقرآن، مما أضاف إليه حدة في الذكاء ورفع فاعليته الفكرية، وينفرد عن بقية زملائه في حلقة تحفيظ القرآن بصوته الشدي الذي يطرب الأسماع ويشنّف الآذان. غادرنا قرية الفلحة التي لم تفارق طبيعتها الريفية، بينما صوت تركي الفلاحي المنغمس في براءته الطفولية ينبعث في فضاء القرية ويضيف إلى سكونها الطبيعي طمأنينة الإيمان وعبق القرآن، ومسجد المهلب بن أبي صفر بقرية الفلحة يشهد لأصغر قارئ في محافظة القنفذة.