أدلى التونسيون بأصواتهم امس، في الانتخابات الاشتراعية لاختيار اول برلمان اصيل، بعد الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل اكثر من ثلاث سنوات. ورافقت الاستحقاق أجواء وُصفت ب «هادئة»، على رغم بعض الإشكالات التقنية والأمنية في عدد من مراكز الاقتراع. وانعكس ذلك اقبالاً على مراكز الاقتراع التي شوهدت امامها طوابير الناخبين الذين انتظروا دورهم للإدلاء بأصواتهم. وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار في مؤتمر صحافي اثر انطلاق التصويت، ان نسبة الإقبال بلغت 25 في المئة بعد ثلاث ساعات من فتح مراكز الاقتراع، معتبراً انها نسبة «مشجعة وهي مرشحة للارتفاع». وأكد صرصار ان كل مكاتب الاقتراع فتحت ابوابها في الوقت المحدد (السابعة صباحاً بتوقيت تونس) باستثناء مركز في محافظة القصرين القريبة من الحدود الجزائرية غرب البلاد، تأخر فتحه لأسباب امنية. وشدد المسؤول التونسي على ان «سلامة الناخبين وصناديق الاقتراع تأتي في مقدم الأولويات التي تحرص عليها الهيئة». وعاشت تونس طيلة نهار امس في اجواء التصويت التي تابع المواطنون وقائعها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فيما سجلت إجراءات امنية مشددة في مداخل العاصمة وحول مراكز الاقتراع وفي الدواخل والمناطق الحدودية. وهذه ثاني انتخابات حرة تعيشها البلاد اذ سبقها استحقاق اختيار المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011. وتتنافس في هذه الانتخابات اكثر من 1300 لائحة حزبية وائتلافية ومستقلة، على 217 مقعداً في المجلس النيابي المقبل، تمثل 33 دائرة انتخابية بينها 6 دوائر لتمثيل التونسيين في الخارج، علماً ان العدد الإجمالي للناخبين في البلاد يبلغ حوالى 5.3 مليون من اصل 10.8 مليون تونسي. وأبدت البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات ارتياحها لحسن سير التصويت. وأعربت في بيان عن «سعادتها لرؤية الأمور تسير في شكل جيد في هذه الانتخابات»، مؤكدة أن فرق المراقبة المنتشرة في 600 مكتب اقتراع «لم تلاحظ أي تجاوزات قانونية باستثناء بعض المشاكل التقنية التي نجمت عن طول مدة الانتظار في الطابور». وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان نسب التصويت بالنسبة الى التونسيين في الخارج بلغت 20 في المئة في 6 دوائر انتخابية تمثل المهاجرين الذين انطلق التصويت بالنسبة اليهم، قبل يومين. وسجلت اعلى نسب تصويت في اوساط التونسيين المقيمين في الدول العربية، حيث بلغت 31 في المئة، فيما سجلت ادنى نسبة (4 في المئة) في اوساط المقيمين في إيطاليا. وأكد صرصار ان النسب التي أحصتها الهيئة (الى حدود منتصف نهار امس) تعتبر مشجعة، مؤكداً ان الهيئة ستقدم نسب المشاركة النهائية مع إغلاق آخر مكتب اقتراع (في دائرة اميركا الشمالية) مساء الأحد. وينتظر التونسيون اعلان نتائج الانتخابات بعد غد الأربعاء، للانتهاء من المرحلة الانتقالية التي عاشتها البلاد طيلة 3 سنوات ولمعرفة من سيحكم على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتنطلق حركة «النهضة» الإسلامية (الحزب الأكبر في المجلس الوطني التأسيسي) بحظوظ وافرة في الحصول على المرتبة الأولى، في مقابل صعود حزب «نداء تونس» العلماني الذي تأسس قبل سنتين والذي يعتبره المراقبون منافساً جدياً للإسلاميين في هذه الانتخابات. في المقابل، تتنافس احزاب يسارية وليبيرالية مثل «الجبهة الشعبية» والحزب «الجمهوري» و»الاتحاد من اجل تونس» و»آفاق تونس» و»التيار الديموقراطي» على المرتبتين الثالثة والرابعة والتي تخول لها المشاركة في اي ائتلاف حكومي محتمل بعد الانتخابات. ويرى متابعون للشأن السياسي التونسي، انه سيكون من الصعب على اي حزب الحصول على نسبة مقاعد تفوق 50 في المئة في البرلمان، ما يضطر الأحزاب الفائزة الى التحالف مع غيرها من اجل تشكيل الحكومة المقبلة. وإثر الإعلان عن النتائج النهائية، تدخل البلاد في حملة الانتخابات الرئاسية التي تنطلق في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتجرى دورتها الثانية قبل نهاية كانون الأول (ديسمبر)، لتكون اول انتخابات رئاسية تعددية في البلاد.