تكمن أهمية زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فرنسا غداً وبعد غد (الخميس والجمعة) للقاء الرئيس نيكولا ساركوزي ووزير الخارجية برنار كوشنير في توقيتها. فالزيارة تأتي قبيل مشاركة ساركوزي في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 12 ايلول (سبتمبر) الحالي واجتماعه مع رؤساء الدول العشرين في بيتسبورغ في 24 و25 من الشهر نفسه. وصحيح أن اجتماع بيتسبورغ هو لمعالجة الوضع الاقتصادي والنظام المالي العالمي، لكن لا بد من أن يتطرق الى قضية سياسية أساسية وصفها ساركوزي في خطابه أمام سفراء فرنسا بأنها «ليست مشكلة إقليمية ولكنها مشكلة عالمية». وخاطب الرئيس الفرنسي أصدقاءه الإسرائيليين بصراحته المعهودة وقال لهم أن «لا سلام مع استمرار الاستيطان»، مطالباً بوقفه وتجميده. ويعمل ساركوزي على إقناع كل الرؤساء العرب الذين يلتقيهم بتشجيع الإدارة الأميركية على إطلاق مؤتمر دولي على جميع المسارات بمشاركة أوروبا الى جانب واشنطن قبل نهاية السنة الحالية. إلا أن هذا الطرح الفرنسي ليس جديداً، فكلما جاء رئيس فرنسي يحاول أن يساهم الى جانب الولاياتالمتحدة في مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط. والدول العربية تحبذ مشاركة أوروبا وخصوصاً فرنسا لأنها تقليدياً أقل انحيازاً الى اسرائيل، وحتى لو كانت إدارة ساركوزي أقرب إليها، لكن مصالح فرنسا تبقى مرتبطة بالعالم العربي. اما الإدارات الأميركية فقلما كانت متحمسة لمشاركة اوروبا في لعب دور أساسي من أجل تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومهما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما منفتحاً على العمل مع الحلفاء. فهو يفضل استمرار التفاوض بين مبعوثه جورج ميتشيل والطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قبل إطلاق أي مشروع لمؤتمر دولي. وواقع الحال أن حكومة إسرائيل التي يترأسها بنيامين نتانياهو تريد كسب الوقت والمماطلة عبر طروحات لا تغش الجانب الفلسطيني. فقد طرح نتانياهو تجميد المناقصات المتعلقة ببناء مستوطنات جديدة حتى سنة 2010، ويبدو أنه لا يريد وقف الاستيطان وأنه يبحث عن طرق لتجنب الرفض المباشر لمطالب ميتشيل وإدارة أوباما. ومن الواضح أن إسرائيل لا تريد السلام مع الفلسطينيين وجيرانها العرب. وعندما طلبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من نظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل القيام بمبادرات تجاه إسرائيل، في مقابل وقف الاستيطان، استغرب الأمير سعود هذا الطلب قائلاً: كيف تقوم المملكة العربية السعودية والدول العربية بمبادرات تجاه إسرائيل لمجرد وقفها القيام بأعمال هي حسب القانون الدولي أعمال غير شرعية؟ ومع ان الرئيس أوباما يسعى الى سلام حقيقي ويريد حل هذا الصراع، إلا أن هيمنة إسرائيل على العالم الغربي، ونفوذها داخل الولاياتالمتحدة يجعلان مسعاه معقداً وصعباً جداً. أما الرئيس الفرنسي فهو في تحرك مستمر ويريد الإسراع في عقد مؤتمر دولي وإقناع اللاعبين الأساسيين وفي طليعتهم الإدارة الأميركية بضرورة عقده. وهو سيكرر ذلك للرئيس الفلسطيني، كما سبق له أن ابلغ الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. إلا أن عقد مثل هذا المؤتمر يبدو احتمالاً صعباً قبل نهاية السنة، مع رفض إسرائيل وقف الاستيطان ومبادئ السلام مع الشعب الفلسطيني، كما يتبين من نهج الإدارة الإسرائيلية على الأرض في القدس وفي كل المناطق الفلسطينية.