أورد الباحث والإعلامي اللبناني «أنطوان صفير»، في محاضرة له بباريس، طرفاً من حديث جرى بينه وبين مسؤول إسرائيلي في «الموساد»، فحين سأله صفير عما كان يفعله هو ورهط من اليهود في طهران مع مسؤول حكومي إيراني، أجابه بالقول: «أنطوان، كنت أعتقد بأنك شخص ذكي، ألا تعرف أن علاقتنا بالجمهورية الإسلامية لم تنقطع يوماً منذ 1979؟». ويضيف صفير: «إن تصريحات نجاد المعادية لوجود إسرائيل هي موجهة للدول العربية فقط». وفي مقابلة ل«نجاد» مع التلفزيون الفرنسي، وصف دعوته لمحو إسرائيل عن الخريطة، والكلام لصفير، «لا تحمل أي تهديد عسكري، بل ينحصر ذلك في إطار الصراع الفكري». (كتاب حزب الله: أقنعة لبنانية لولاية إيرانية، فايز قزي). لا شك عندي أن العلاقة بين محور الشر (إيران)، والشيطان الأكبر (أميركا)، وثالثهما إسرائيل، هي أكثر من سمن على عسل، مهما تظاهر ثلاثتهم بالعداوة والبغضاء. وأود أن أسأل أولئك المعجبين من العرب، «سنة وشيعة»، بالسياسات الحنجورية والتهديدات الإيرانية: هل رأيتم من إيران طحيناً بدلاً من سماعكم لجعجعات وتهديدات كلامية ضد إسرائيل؟ ثم كيف لكم تفسير ما قاله مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي لعدد من الشباب الإيراني المتحمس للقيام بعمليات استشهادية في قلب إسرائيل عشية ضربها قطاع غزة أواخر 2008: «إن أيدينا مغلولة في هذا المجال»، من ذا الذي غلّ يدي خامنئي الممتدة إلى البحرين واليمن وسورية ولبنان؟ وعن أي مقاومة وممانعة يتحدث عنها أولئك المتيمون بالنموذج الإيراني، وقد دلت الوثائق على دور أميركي أصيل في إسقاط الشاه وإنجاح الثورة الخمينية، فضلاً عن انكشاف الدعم العسكري الصهيوني لإيران إبان اشتعال الحرب العراقية – الإيرانية بين عامي 1980 و1988. تاريخ هذه الدولة الصفوية ملطخ بالدسائس والتآمر على العرب والإسلام، على رغم ما تتظاهر به جهاراً ونهاراً من كراهية عمياء للغرب، ومن دفاع مستميت عن الإسلام عامة وعن آل البيت خصوصاً، فمنذ اعتلى إسماعيل الصفوي عرش فارس في أوائل القرن 16 وهو ينسج خيوط المؤامرات، ويبرم التحالفات مع البرتغاليين الذين كانت أساطيلهم تجوب مياه الخليج فترتكب بحق العرب والمسلمين العزل أشكال العذاب وألوان المجازر. وفي أيام آخر سلاطين المماليك قنصوة الغوري، تم القبض على جواسيس كانوا يخفون رسائل مكتوبة من إسماعيل الصفوي إلى البندقية وعدد من الممالك الأوروبية، بغرض التآمر على تصفية دولة المماليك المتآكلة والاستيلاء على الحجاز والأراضي كافة التابعة لسلطان الدولة المملوكية. سلوك الحكومات الإيرانية، حاضراً وماضياً، هو امتداد لما دأب عليه أسلافهم منذ القدم من احتقار للعرب وامتهان لهم. لقد عقدت الدهشة ألسنة الفرس وهم يرون مملكتهم العظيمة تنهار تحت ضربات سيوف العرب، ونارهم الأزلية تنطفئ تحت سنابك خيولهم. يقول المقريزي: «أعلم أن الفرس كانت لهم سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها... فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى». ومن عجب أن الأفكار والمعتقدات الشاذة والغريبة التي تسربت إلى الإسلام ومازجته، كالإيمان بالحلولية وتناسخ الأرواح والمهدوية والمغالاة في تعظيم الأئمة وتقديسهم، جاءت إلينا من بلاد فارس! لم يكن للخلاف الطائفي أو للتمايز القومي أي علاقة بالسطور أعلاه، فأنا أبعد الناس عن تلك السخائم المذهبية والنعرات العصبية. ما دفعني صراحة للكتابة هو ما وجدته لدى شركاء الوطن من بعض الأخوة الشيعة من تعلق زائد وشغف دائم بإيران، يصل بهم لحد الانسلاخ عن وطنهم والدوران بالفلك الإيراني، على رغم ما يبديه الإيرانيون، حكومة وشعباً، من ازدراء واضح للعرب حتى لو قاسموهم الانتماء للمذهب والولاء للفقيه! [email protected]