في ظلّ وجود أكثر من مليون و150 ألف نازح سوري في لبنان، وفق المفوضية العليا للاجئين، لا يمكن إلا توقّع أسوأ السيناريوات من ناحية الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والأمنية. فهذا الضغط الشعبي يثير مخاوف كثيرة ليس فقط على لبنان وإمكاناته، بل على النازحين أنفسهم الذين يعيشون أفظع لحظات حياتهم في المخيّمات العشوائية، وهم يفتقدون أدنى إمكانات العيش. وعلى أبواب الشتاء، تزداد الأحوال سوءاً خصوصاً بالنسبة إلى الفئة الأكثر ضعفاً بين النازحين، أي الأطفال الذين لا يعرفون أنّ ما أصابهم العام الماضي من كوارث بسبب الظروف المناخية سيُعاد هذا العام وربما بانعكاسات أشدّ، مع تراجع قدرات الحكومة اللبنانية وحتّى المنظمات المحلية على الإحاطة بحاجاتهم. فكيف ستكون أحوالهم الصحّية تحديداً هذا العام مع تحذيرات كثيرة من انتشار مرض شلل الأطفال، وغيرها من الأمراض التي تتكاثر بين المجموعات المتزاحمة في مكان واحد؟ خطر الشلل أكثر ما يهدّد لبنان هو مرض شلل الأطفال، بعدما أعلنت منظّمة الصحّة العالمية حالة الطوارئ في 7 بلدان صُنّفت في دائرة الخطر، ولبنان واحد منها. وقد كانت نسبة التغطية التحصينية في لبنان للقاح شلل الأطفال لا تقلّ عن 96 في المئة على المستوى الوطني وفق تقديرات وزارة الصحّة، إلا أنّ انتشار الفيروس منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2013 في سورية ووصوله إلى العراق في شباط (فبراير) الماضي، يضع لبنان أمام خطر حقيقي في ظلّ النزوح المتواصل والاكتظاظ السكاني الحاصل. ويؤكد وزير الصحّة وائل بو فاعور في هذا السياق أنّ هناك احتمالاً لانتقال هذا المرض الخطير إلى الأطفال إذا لم تفعّل لقاحات التحصين ضدّه. والتساؤل الرئيس في هذا السياق إذا كانت اللقاحات ستشمل الأطفال النازحين في المخيّمات المنظّمة أو العشوائية. تؤكد مديرة برنامج التحصين المتوسع في وزارة الصحّة رندة حمادة أنّ حملة التلقيح ستشمل الأطفال النازحين والمقيمين في مخيّمات، حيث سترسل فرق جوّالة لتفقدّهم بالتعاون مع جمعية «بيوند». وكذلك الأمر بالنسبة إلى ممثلة «يونيسيف» في لبنان آنا ماريا لوريني، التي تلفت إلى ضرورة تلقيح الأطفال جميعهم حتّى المواليد الجدد أو أولئك الذين لُقحوا من قبل. وتشدّد على وجود اللقاح في المستشفيات والمراكز الصحّية والعيادات والمدارس وغيرها من الأماكن التي اختارها أطباء الأقضية ومسؤولو البلديات، لأنّ «وجود المرض في أي مكان هو تهديد للأطفال في كلّ مكان». لكنّ إطلاق الحملة الوطنية لا يعني القضاء على المرض وزوال الخطر خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال النازحين، بسبب التسرّب من اللقاحات الإلزامية ليس فقط من ناحية مرض شلل الأطفال بل الأمراض الأخرى التي تتطلّب لقاحات تحصينية ضرورية. وأشارت دراسة أعدّتها الهيئة الصحّية الإسلامية إلى أنّ نسبة التسرّب من اللقاحات تصل إلى 50 في المئة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ما يعني أنّ نصف الأطفال غير محصّنين تجاه المرض. متابعة الأهل للقاحات في جولة ميدانية ل «الحياة» على 7 عائلات سورية، ثلاث منها تعيش في مخيّمات عشوائية والأخرى تقيم في مساكن شعبية بالإيجار، يتبيّن أنّ هناك عائلتين فقط تملكان دفتر لقاحات لأطفالهما، فيما لم يحصل أطفال أسرتين على أي لقاح. وحصل الأطفال الباقون على لقاحات في شكل متقطّع، من دون أن يكون الأهل مدركين لطبيعة اللقاح الذي حصل عليه طفلهم وإذا كان خاصاً بالشلل، الحصبة، أبو كعب، الخانوق، الصفيرة أو الكزاز. وتقول أم أحمد، والدة لأربعة أطفال، أنّ هناك جمعيات تزور المخيّم من فترة إلى أخرى وتعطي لقاحات للأطفال، لكن من دون تقديم الشروحات اللازمة للأهل الذين لا يعرفون كيفية متابعة الموضوع في حال لم تحضر الجمعيات بعد ذلك. أمّا ليال التي نزحت مع ولديها إلى لبنان منذ نحو سنة، فقد تفاجأت حين قصدت مستوصفاً صحّياً وطلبوا منها مبلغ 20 ألف ليرة (نحو 13.5 دولار) لقاء لقاح ضروري لطفليها. وكانت سمعت أنّ اللقاحات مجانية وفضّلت أن تنتظر قدوم أي منظّمة محلية إلى التجمّع السكني الذي تقيم فيه لتطلب تلقيح أطفالها. وشكوى ليال ليست يتيمة، ففي 8 أيار (مايو) الماضي أصدر المدير العام لوزارة الصحّة العامة وليد عمار تعميماً يؤكد فيه الالتزام المطلق بمجانية اللقاح، وذلك بعد ورود شكوى عن استيفاء رسوم في مقابل تحصين الأطفال في المراكز الصحّية. كما طلب عمّار من المراكز الصحية عدم رفض تلقيح أي طفل لأي سبب كان، والاستقصاء عن الأطفال غير الملقحين أو الأطفال النازحين وإعطاءهم اللقاحات المطلوبة شرط البدء بلقاحَي الحصبة والشلل. لكن كما مرافق صحّية عدة في لبنان، يمكن فساد موظفين أن يمنع حماية طفل لا ذنب له إلا أنّ أهله اضطروا إلى ترك بلدهم بفعل الحرب المدمّرة.