لم يكن أنها خلايا المنشأ (تسمّى أيضاً الجذعيّة)، مَن صنع معجزة شفاء المشلول، ولا حتى الرقاقات الإلكترونيّة التي تزرع لتنهض بمهمات الأعصاب التالفة، على رغم المراهنة العلميّة الواسعة والمديدة على ذينك الأمرين سويّة! كلا. جاء الشفاء الإعجازي من مكان آخر، لم يكن متوقّعاً تماماً. جاء شفاء الشلل المقعد بسبب انقطاع الحبل الشوكي من... الأنف! حدث الاختراق العلمي، الذي يفتح باب الأمل بالشفاء أمام ملايين المشلولين، بفضل تنبّه فريق بريطاني- بولندي إلى قدرة القسم الأمامي من عصب الشمّ، وهو موجود في الأنف مباشرة، على تجديد نفسه بصورة طبيعية. التمعت في أذهانهم فكرة جريئة: لم لا تستعمل تلك الخلايا العصبيّة القادرة على التجدّد، في إصلاح الخلايا العصبية المقطوعة في الحبل الشوكي، بمعنى أن تجددها فتعيد وصل ما انقطع، ويرجع التواصل العصبي بين الأرجل المشلولة والحبل الشوكي ومراكز المشي في الدماغ؟ ووفقاً لما أوردته صحيفة «الإندبندنت» البريطانيّة على موقعها الإلكتروني، استطاع فريق مشترك من «كليّة لندن الجامعيّة» و «مستشفى فروكلاو» (بولندا)، أخذ خلايا من بصلة الشمّ، ثم عملوا على تنميتها في أطباق المختبر. وعندما تكاثرت إلى حجم يكفي لسدّ ثغرة بطول 8 ملليمترات، أخذت تلك الأعصاب وزُرعت في الحبل الشوكي المقطوع لمريض بلغاري اسمه داريك فوكودا. ويعاني فوكودا الشلل منذ العام 2010، بسبب طعنة سكين في الظهر. وبعد العملية، عاد الحسّ والحركة إلى الطرفين السفليين لفوكودا. واستطاع ترك كرسي العجلات. وبات يمشي، ولو أنه ما زال في حاجة إلى مشدّ وأطر معدنيّة لتساعد الرجلين خلال المشي. ويأمل الأطباء بأن يتمكن فوكودا قريباً من ترك تلك الأدوات المساعِدَة، خصوصاً أن قدرات رجليه تتزايدان باستمرار منذ نجاح عملية زرع خلايا الأنف في حبله الشوكي، بل أنه صار قادراً على قيادة سيارته، إضافة إلى العناية بنفسه بصورة مستقلة. يحمل الاختراق العلمي البولندي- البريطاني أملاً إلى من يحتاجونه بشدّة. وما لا تقوله الأرقام إن ملايين المقعدين والمشلولين بسبب إصابات في الحبل الشوكي هم من الشباب. وتحمل إصابة شاب كان في كامل عنفوانه وحيويته معاناة قاسية له، كما تمثّل مأساة لا تنتهي لأسرته أيضاً. وفي مطلع السنة الحالية، استضافت «مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانيّة» في الرياض أعمال «المؤتمر الدولي الثالث لإصابات الحبل الشوكي». ولعل الاختراق العلمي المتمثّل بزرع خلايا الشمّ في الحبل الشوكي المقطوع عند المصابين بالشلل، يحمل آفاقاً مهمة لخبراء تلك المدينة، خصوصاً أنهم يخوضون مسار نقل التقنيّات المتّصلة بعلاج الحبل الشوكي وتوطينها في تلك المؤسسة الإنسانيّة الرائدة. وللحديث صلة.