ما هو القاسم المشترك بين هذه الارتفاعات الثلاثة؟ إنها تصيب الأوعية الدموية، وتستوطن بصمت في البداية وتكتشف عادة بالصدفة أو بعد حدوث مضاعفات تهدد الحياة، من هنا أهمية تشخيصها باكراً قبل أن تترك ما لا يحمد عقباه. في السطور الآتية نقوم برحلة قصيرة نضع فيها النقاط على حروف هذه الإصابات: ارتفاع ضغط الدم: ماذا يعني؟ إن الدم الذي يجري في الشرايين يلقى مقاومة من هذه الأوعية، وهذه المقاومة يتم التعبير عنها بقياسين يشيران إلى ضغط الدم في حال انقباض القلب وانبساطه، ويدل القياس الأول إلى ضغط الدم الانقباضي الذي يدور في فلك 120 ميلليميتراً زئبقياً. أما القياس الثاني فيدل إلى ضغط الدم الانبساطي ويعبر عنه بالرقم 80 ميلليميتراً زئبقياً. وإذا قفز الرقمان إلى ما فوق 140 فمعنى ذلك أن الشخص يعاني من ارتفاع في الضغط الشرياني. ما هي الأسباب؟ إن 90 إلى 95 في المئة من حالات ارتفاع ضغط الدم الشرياني ترجع إلى أسباب غير معروفة، لكن الوراثة لها الدور الأبرز، ويلعب نمط الحياة دور الشرارة في إشعاله، مثل التدخين، والسمنة، والإكثار من أكل الملح، والضغوط النفسية المستمرة. أما النسبة الباقية، أي 5 إلى 10 في المئة من حالات ارتفاع الضغط، فتقف خلفها مسببات مرضية معروفة، مثل أمراض الكلى، وتضيق الشريان الأبهر، والخلل الهرموني، وتناول بعض الأدوية، مثل حبوب منع الحمل. ما هي عوارض هذا الضغط؟ لا يعطي عوارض نوعية، لهذا سمي بالقاتل الصامت. كيف يشخص؟ يتم التشخيص بعد ثلاث قراءات في أوقات وظروف وأيام مختلفة يسجل فيها ارتفاعاً في رقمي ضغط الدم، مع الأخذ في الاعتبار أن الارتفاع ربما قد يحصل في شكل عابر نتيجة أمور طارئة مثل الخوف، والانفعالات، والغضب، وامتلاء المثانة، وغيرها، لذلك يجب قياس ضغط الدم بعيداً عن كل مظاهر القلق والتوتر والخوف، ويجب أن يكون المريض جالساً، أو مسترخياً قبل قياس ضغط الدم، ويفضل مطالبته بعدم التدخين قبل ساعة أو ساعتين. ومن باب العلم فإن مستوى ضغط الدم لدى كل شخص ليس ثابتاً في شكل مطلق بل هو متذبذب على مدار اليوم. كيف يعالج؟ إن علاج ارتفاع الضغط الشرياني المجهول السبب يتم باتباع نظام غذائي مناسب، وخفض كمية الملح، وخفض الوزن، واستخدام الزيوت النباتية في الطعام، وهجر الدهون الحيوانية، وممارسة التمارين الرياضية المنتظمة والمستمرة. وإذا فشل هذا المخطط في إنزال أرقام الضغط فإن تناول دواء أو أكثر لمدى الحياة يبقى السبيل الوحيد للسيطرة على المرض. ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي: المعروف أن القلب يتألف من غرفتين في الجهة اليمنى هما الأذين الأيمن والبطين الأيمن، وعندما يعود الدم إلى القلب آتياً من بقية أجزاء الجسم فإنه يمر أولاً بالأذين الأيمن ثم البطين الأيمن الذي يضخ بدوره الدم عبر الشريان الرئوي الرئيسي إلى الرئتين. في الأحوال العادية يتم ضخ الدم إلى الرئتين بصورة تلقائية وطبيعية من دون أي مقاومة أو صعوبة، لكن لسبب ما فإن الدم الآتي من البطين الأيمن يواجه صعوبة ومقاومة ما يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم الرئوي خلال فترة طويلة ما يؤدي إلى حدوث المرض المسمى ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي. ما هي أسباب هذا الضغط؟ في أغلب الأحيان لا يوجد سبب واضح يفسر الإصابة بمرض ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي. أما في بقية الحالات فيمكن رصد أحد الأسباب الآتية: بعض قامعات الشهية، وعدد من الأمراض الوراثية، بعض الأمراض المعدية (الأيدز)، وبعض أمراض الدم، والجلطات الدموية، وبعض أمراض الروماتيزم، وبعض أمراض المناعة. ما هي عوارضه؟ إن المرض ينشأ بصمت ويستغرق فترة طويلة قبل أن تنفجر العوارض. أيضاً هناك صعوبة كبيرة في الاستدلال على عوارض المرض كونها تتشابه كثيراً مع أمراض أخرى. في البداية قد يعاني المصاب من شكاوى عامة غير نوعية، مثل التعب، والخمول، وآلام في الصدر، وصعوبة في التنفس. لكن مع مرور الوقت يشتد الإعياء، وتزداد صعوبة التنفس، وفي المراحل المتقدمة يظهر فقدان الوعي الموقت خصوصاً عند بذل الجهد. وفي المراحل الأخيرة يصاب القلب بالفشل إذ يعجز عن ضخ الدم بالكميات المناسبة. كيف يشخص هذا الضغط؟ كلما شخص المرض باكراً زادت فرص النجاة منه، من هنا ضرورة أن يحرص الأشخاص الذي يملكون عوامل تعرضهم للخطر أن يجروا الفحوص الدورية التي تسمح برصده بعد مراجعة الطبيب المختص بمعدل مرتين في السنة. كيف يعالج؟ بعد التشخيص الدقيق للمرض، وبعد التأكد من وجود السبب وجمع المعلومات الكافية عنه، يضع الطبيب خطة للعلاج تقوم على محاور عدة هدفها إعادة المصاب إلى الوضع الصحي المناسب الذي يمكنه من العيش بسلام، مع تأكيد أهمية أن يمارس المريض نشاطاً رياضياً مناسباً، واتباع نمط حياة غذائي وصحي مناسب. وطبعاً لا يجب تناسي الدعم النفسي بتفادي وقوع المريض ضحية الاكتئاب. ارتفاع الضغط في الوريد البابي: ماذا يعني؟ إن الوريد البابي هو وعاء يقع في البطن، وتندمج كل الأوردة الآتية من المعدة والأمعاء والبنكرياس والطحال في وعاء واحد هو الوريد البابي الذي يتفرع بدوره إلى أوعية ناعمة تتوزع في أنسجة الكبد. ويتولى الوريد البابي مهمة نقل الدم والغذاء من الأمعاء إلى الكبد. إن الضغط الطبيعي في هذا الوريد يتأرجح بين 2 إلى 5 ميلليمترات زئبقية، لكن لسبب ما يمكن أن يرتفع الضغط داخل هذا الوريد فيتجاوز 12 ميلليمتراً زئبقياً، فعندها تندلع المظاهر السريرية، وتظهر الاختلاطات خصوصاً النزف من المريء والأمعاء وامتلاء البطن بالسوائل. ما أسبابه؟ هناك أسباب عدة تقع في الكبد وخارجه قد تكون مسؤولة عن ارتفاع الضغط في الوريد البابي، لكن تشمع الكبد الناتج عن التهاب الكبد الفيروسي أو غيره يعتبر من أكثر الأسباب انتشاراً، لأنه يقف حجر عثرة أمام مرور الدم بحرية عبر هذا الوريد. ما هي مظاهر ارتفاع الضغط في الوريد البابي؟ تنجم العوارض السريرية لهذا المرض عن احتقان الدم في الوريد البابي ومن ثم تشكل الدوران الجانبي. ومن أبرز العوارض: - تضخم الطحال الذي يكون شديداً لدى الأطفال واليافعين. - التقيؤات الهضمية نتيجة حدوث الدوالي في المريء. - النزوف من القفا، والتي غالباً ما تفسر خطأً على أن سببها البواسير. - انتفاخ البطن نتيجة تجمع السوائل فيه، وقد يظهر ضيق في التنفس بسبب ضغط السوائل على الحجاب الحاجز. كيف يشخص هذا الضغط؟ يتم التشخيص بناء على المعطيات التي تعطيها الفحوص المختبرية والأشعة التلفزيونية، وقد يضطر الطبيب إلى الاستعانة بالمنظار وإجراء تصوير طبقي محوري إذا لزم الأمر. ما هو العلاج؟ يهدف العلاج إلى تخفيف الضغط في الوريد البابي. وكان الجراح يلجأ في السابق إلى عمل وصلة بين الوريد المذكور وأحد نواحي الجسم عن طريق بضع البطن بالمشرط، لكن التطور التقني سمح بإجراء العملية من دون الحاجة إلى الشق، وذلك بوضع دعامة طبية خاصة بين الوريد البابي والوريد الكبدي بواسطة القسطرة التي يتم تمريرها من وريد الرقبة. الوقاية بالغذاء إن الثلاثي، ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الضغط في الشريان الرئوي، وارتفاع الضغط في الوريد البابي، هي أمراض خطيرة كونها تبدأ صامتة، وقد تنتهي باختلاطات قاتلة في حال عدم كشفها في الوقت المناسب. ويعتبر ارتفاع ضغط الدم المرض الأكثر انتشاراً بلا منازع في العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، نظراً الى توافر عوامل الخطر المؤهبة لهذا المرض في المنطقة. وكلما طال أمد ارتفاع ضغط الدم زاد احتمال وقوع الاختلاطات وما أكثرها، خصوصاً على الدماغ والقلب والأوعية الدموية والكلى. من هنا، فإن الوقاية هي حجر الأساس لدرء شر هذا المرض، وتتضمن بنود هذه الوقاية: 1- تعزيز النظام الغذائي الصحي والمتوازن. 2- تقنين استهلاك الملح. 3- الحد من أكل اللحم والشحم. 4- تناول الأسماك الدهنية بمعدل 2 إلى 3 مرات اسبوعياً. 5- الإقلاع عن التدخين. 6- ممارسة الرياضة بانتظام. 7- الابتعاد عن الكحوليات. 8- مراقبة أرقام الضغط في شكل دوري. [email protected]