بدأ القلق يزداد لدى القيادات الرسمية والحزبية من أن تكون للتعقيدات في الوضعين الإقليمي والدولي ارتدادات سلبية على الاستقرار العام في لبنان في ظل تلويح البعض عن سابق تصور وتصميم بأن الوضع الأمني سيمر في حالة من الاضطراب وبأنه يستدعي تكثيفاً للتدابير الأمنية والسياسية لقطع الطريق على أي فريق متضرر من اللعب بالأمن، باعتبار أن الساحة اللبنانية مهيأة لتنفيس الاحتقان الخارجي بافتعال خضات أمنية يراد منها توجيه رسائل في أكثر من اتجاه. وعلمت «الحياة» أن المخاوف من أن تنعكس التعقيدات الإقليمية على الوضع الداخلي في ظل التأزم السياسي الذي ما زال يؤخر ولادة الحكومة الجديدة خلافاً للتقديرات السابقة من أن لبنان سيكون اول المستفيدين من الانفراج في العلاقات الإقليمية والدولية، كانت من أبرز النقاط على جدول أعمال اللقاء الأسبوعي بين رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري، اضافة الى الاجتماع الذي عقد ليل أول من أمس بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في حضور الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور والنائب مروان حمادة ومدير مكتب الرئيس المكلف نادر الحريري. ومع أن بري التزم في اجتماعه المفتوح بالنواب أمس الصمت، فإن القلق من احتمال انعكاس التعقيدات الإقليمية على لبنان كان بادياً على وجهه، ما يفسر تأكيده للنواب أنه ليس مع الدعوة الى جلسة نيابية عامة لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان إذا كانت ستشكل مادة خلافية، «نظراً لأننا اليوم في أمسّ الحاجة الى التماسك الداخلي، ونتطلع الى التغلب على الخلافات التي ما زالت تؤخر تأليف الحكومة». وأكد بري كما نقل عنه النواب، أن رفضه القاطع للعودة بالوضع الى الوراء «في حال تعذر علينا الوصول الى تفاهم يدفع باتجاه الاتفاق على تأليف الحكومة». وفي المجال نفسه، أجرى الحريري وجنبلاط قراءة مشتركة للتعقيدات الحاصلة في المنطقة واحتمال تأثيرها في المسار العام لتأليف الحكومة، لا سيما في ضوء وجود من يطلق الإشاعات بشأن احتمال الاضطراب الأمني في البلد. وبحسب معلومات «الحياة»، فإن اجتماع الحريري وجنبلاط وإن كان يأتي في سياق تأكيد تمتين العلاقة التحالفية بينهما بعد تجاوزهما لما صدر عن جنبلاط في خطابه في 2 آب (أغسطس) الماضي أمام الجمعية العمومية الاستثنائية ل «الحزب التقدمي الاشتراكي»، فإنهما لم يخفيا قلقهما على الاستقرار العام. وقالت مصادر مقربة من المجتمعين ل «الحياة» ان الحريري وجنبلاط يؤيدان في المطلق ومن دون أي تحفظ اتخاذ التدابير الأمنية والسياسية لتحصين الساحة الداخلية والحفاظ على الاستقرار العام حتى لو تأخرت ولادة الحكومة، «مع ان الإسراع في تأليفها يسهم في توفير شبكة الأمان السياسية والأمنية للبلد». وكشفت أن الموقف الذي أعلنه الحريري في حفل الإفطار الذي أقامه غروب أول من أمس من أنه يتمسك بإشراك «حزب الله» في الحكومة وان وجوده فيها من الثوابت، شاءت اسرائيل أم أبت، يأتي في سياق الرد على المزاعم التي تحدثت أخيراً عن أنه يريد استبعاد الحزب، كما في اطار تأكيد التماسك الداخلي لحماية السلم الأهلي. ونقلت المصادر عن أحد المشاركين في الاجتماع أنهما تفاهما على مجموعة من الخطوط العريضة للإبقاء على حد أدنى من التهدئة على رغم الاختلاف بشأن تأليف الحكومة. ويأتي في مقدم تلك الخطوط: - اصرار جنبلاط على تمتين علاقته بالأكثرية النيابية واستعداده للمشاركة في الاجتماع النيابي الموسع المقرر في بحر الأسبوع المقبل الذي من شأنه أن يشكل الرد على ما أخذ يراهن عليه البعض من أن رئيس «التقدمي» يمضي قدماً في اتخاذ الخطوات الرامية الى تسريع خروجه من الأكثرية التي كانت وراء تسمية الحريري لتأليف الحكومة، اضافة الى تأكيد تحالفه الوثيق بالحريري. - وجود رغبة قاطعة لديهما في الانفتاح على «حزب الله» وضرورة تكثيف اللقاءات بغية تضييق رقعة الخلاف معه، على رغم أن الاجتماع الأخير بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل لم يخل من العتب على هامش المصارحة التي دارت بينهما في العمق وتحديداً بالنسبة الى الخلاف القائم مع «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون. - التواصل الدائم بين الحريري وجنبلاط من جهة وبري باعتبار أن هذا التواصل لا غنى عنه في الوقت الحاضر، مع أنه لم ينقطع منذ فترة طويلة. - دعوة الحريري للعماد عون للقاء من أجل البحث في مسألة تأليف الحكومة ما زالت مفتوحة، والأول على استعداد للقاء معه في أي وقت، علماً أن الحريري ليس مسؤولاً عن انقطاع التواصل بينهما وكان زاره في الرابية في إطار جولته التقليدية على رؤساء الحكومة السابقين فور تكليفه برئاسة الحكومة وعاد ووجه اليه الدعوة للاجتماع به، فبادر عون الى انتداب صهره وزير الاتصالات جبران باسيل للتواصل. كما ان الحريري عاد ثانية ودعاه للقاء غداء، لكنه بدلاً من أن يستجيب لدعوته سارع الى الرد عليه إعلامياً فاعتبر الحريري نفسه غير معني بالجواب وبالتالي فإن الدعوة ما زالت مفتوحة، والخلاف لا يمنع التلاقي للوصول الى صيغة ما تدفع باتجاه التسريع في تأليف الحكومة. وعلمت «الحياة» ان اصرار الحريري على الإبقاء على دعوة عون للقاء به مفتوحة ينطلق من أن خليل أبلغه أن دوره يقتصر على التقريب في وجهات النظر وأن من الأفضل أن يلتقيا، وهذا ما لم يعترض عليه الرئيس المكلف، لكنه ما زال ينتظر مجيء عون لعقد الاجتماع. ويبقى السؤال: هل يلبي عون الدعوة التي وجهها اليه الحريري خصوصاً بعدما أوحت قيادة «حزب الله» بأنها ترفض أن تتعامل مع حليفها «التيار الوطني الحر» وكأنها وصية عليه؟ أم أن هناك من ذهب بعيداً في تبنيه مطالب «الجنرال» في الحكومة الجديدة ظناً منه أنه من خلال ذلك يستطيع أن يمارس ضغطه على الرئيس المكلف بما يسمح لعون بتحسين شروطه في المفاوضات؟ وعليه، فإن القلق على الاستقرار العام في معرض ما تردد من أن الاتصال الذي أجراه أخيراً الرئيس سليمان بنظيره السوري بشار الأسد تمحور حول تقويم الوضع في لبنان على خلفية التعثر الذي تواجهه عملية تأليف الحكومة، بات يحتم على جميع الأطراف الترفع عن المهاترات وتبادل الاتهامات ليكون في مقدورها ان تمنع «تسرب» الارتدادات السلبية للتعقيدات الخارجية الى البيت اللبناني خصوصاً في حال انها كانت وراء تأخير ولادة الحكومة الذي لا يبرر تحت أي اعتبار العودة الى الفوضى التي لن تمكّن من تحسين الشروط في مفاوضات تشكيل الحكومة بمقدار ما انها ترتب على البلد جولة جديدة من الاحتقان، فيما التهديدات الإسرائيلية يفترض أن تؤخذ على محمل الجد.