99 في المئة من العاملات الأجنبيات في لبنان محرومات من حريّة التنقّل، 65 في المئة منهن يعملن أكثر من 11 ساعة يومياً، 52 في المئة منهن يتعرّضن لتعبيرات مهينة، 14 في المئة يتعرّضن لسوء المعاملة جسدياً، فيما يُعتدى جنسياً على 7 في المئة منهن. أرقام صادمة تقدّمها «جمعية العاملين الأجانب» في لبنان، وهي في الوقت ذاته تحمل دلالات خطيرة على صعيد الوضع الذي تعيشه عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يأتين الى لبنان حاملين حلم تحقيق الذات وجني المال... فيجدن أنفسهن «محبوسات» ومعرّضات للتعنيف من دون أن يكون جواز السفر في حوزتهن. في المقابل، يبقى ربّ العمل أيضاً الذي استقدم العاملة قلقاً تجاه وضعها، فهي تحت كفالته وهو مسؤول عنها، ما يدفعه الى القيام ببعض السلوكيات، كمنعها من أخذ أي يوم إجازة أو حرمانها من الخروج من المنزل، وصولاً الى ضربها عند مخالفتها أمره. وذلك كله حصيلة نظام الكفالة المعتمد في لبنان. «نظام عبوديّ» وجهة نظر العاملات المهاجرات اللواتي يخدمن في المنزل تحديداً، كانت واضحة في المسيرة المطلبية التي قمن بها الأحد الماضي، تعبيراً عن رفضهن نظام الكفالة الذي يحرمهن من أبسط حقوقهن الإنسانية والعمالية. وجاءت المسيرة ضمن إطار حملة «في شي غلط» التي تشترك فيها منظّمة «كفى عنف واستغلال» و «حركة مناهضة العنصرية» و«جمعية إنسان» و «كاريتاس لبنان – مركز المهاجرين» و «مؤسسة عاملة»، بدعم من «المجلس الدنماركي للاجئين» و «منظّمة العمل الدولية» و «الاتحاد الأوروبي»، وبتمويل من «الوكالة السويسرية للتنمية». لم توفر العاملات طريقة من دون أن يستخدمنها للتعبير عن رأيهن، بمشاركة عمّال أجانب آخرين. وأعقب المسيرة احتفال ثقافي تضمّن لوحات راقصة تراثية ومسرحية خاصة مرتبطة بالمناسبة. أمّا الشعار الرئيسي الذي رفعنه، فكان «نريد العدالة... نريد إسقاط نظام الكفالة». وشرحت العاملة الأثيوبية رحيل أنّ هذا النظام هو «عبوديّ وأشبه بقصاص تجاه العامل الأجنبي الذي يُحرم من أبسط حقوقه، كحصوله على يوم إجازة أو الحقّ في الاستراحة بعد يوم عمل طويل». وأضافت أنّ نظام الكفالة مجحف حتّى بحقّ الشخص المستقدم للعاملة أو الكفيل الذي يصبح المسؤول الوحيد عنها. وعلى رغم أنّ الكثير من العاملات الأجنبيات المشاركات في الاحتفال، الذي نظّم لمناسبة عيد العمّال، كنّ يشكّكن بقدرتهن على إحداث التغيير الجذري في نظام الكفالة، فإنّهن ساندن بعضهن بعضاً بدعم من الناشطين المدنيين اللبنانيين، معلنين أنّ العدالة ستتحقّق، وإن كانت الطريق لا تزال طويلة. غياب الاعتراف القانوني والمجتمعي الواقع الصعب الذي تعيشه العاملات الأجنبيات في لبنان يعود أولاً إلى غياب الاعتراف القانوني بالعمل المنزلي، إذ لم يتطرّق قانون العمل اللبناني إليه أبداً. وتشدد المنسّقة الإعلامية في جمعية «كفى» مايا العمّار على ضرورة الإسراع في تنظيم عمل المهاجرات (إلى لبنان) عبر قانون العمل، وتحديد أيام الراحة وغيرها من المسائل التنظيمية، إضافة الى إلغاء نظام الكفالة الذي يقيّد حرية العاملة ويحرمها حقوقها. وتحقيق هذه الخطوة، كما تقول العمّار، يحرّر صاحب العمل أيضاً لأنّه، عندها، يمكن توظيف العاملة الأجنبية لأداء مهمات معيّنة، ولكن ضمن دوام محدّد، من دون أن تكون مجبرة على العيش في المنزل ذاته. لكنّ الاعتراف القانوني لا يكفي وحده من دون اعتراف مجتمعي بحقوق العاملة الأجنبية، كما تضيف العمّار. وهذا ما يتحقّق عبر تغيير الذهنية والرؤية تجاه العاملات ومكافحة العنصرية. ولا يمكن فتح موضوع الكفالة والعاملات المهاجرات من دون التطرّق الى موقع مكاتب الاستخدام من العملية كلّها. وترفع العمّار الصوت عالياً ضدّ هذه المكاتب التي «تتاجر بالبشر» وتستغلّ حاجة العاملات في بلادهن، لكي تستقدمهن الى لبنان من دون أي مساعدة أو دعم أو تدريب أولي. ولمواجهة المسألة، تحيل العمّار المسؤولية الى «الوكالة الوطنية للاستخدام» الحكومية التي يجب أن تنظّم عمل الأجانب في لبنان، بدلاً من أن يكون الأمر كلّه محصوراً بالمكاتب الخاصة. كلّ الحلول التي تطرحها الجمعيات الأهلية، بالتعاون مع العاملات المهاجرات، باتت اليوم موجودة أمام السلطات الرسمية التي عليها اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة كي توقف المسلسل الدموي لانتحار العاملات ضمن ظروف غامضة. فوفق منظّمة «هيومن رايتس ووتش»، «تلقى عاملات المنازل الوافدات الى لبنان حتفهن بمعدّل أكثر من عاملة أسبوعياً، وأهمّ سببين لوفاتهن هما الانتحار أو الموت خلال محاولة الهروب من المخدومين». عاملة أجنبية في لبنان ترفع لافتة كتب عليها: «العمال المهاجرون ليسوا عبيداً» (الحياة)