بعيداً من تفاصيل السياسة ودهاليز الحوار الوطني يترقب الفلسطينيون في قطاع غزة تغييرات في حياتهم اليومية تشير إلى أن شيئاً ما حصل بعد سنوات عجاف من الحصار الإسرائيلي والانقسام. يأمل الناس في القطاع بأن تترجم رغبة الوحدة بين القوى والفصائل والتي تقودها مصر بعمل دؤوب ومستمر وصولاً إلى حالة وفاق حقيقي ينهي أزمة طالت ويسدل الستار على مرحلة سوداوية من طراز خاص. لكن المرحلة المنتظرة لم تأت بعد فالقوى المختلفة لا تزال على خلافاتها والسياسة الإسرائيلية تحكم تدريجيّاً عليهم بالموت البطيء، فيما اهتزت ثقة الكثيرين بالعمل الفصائلي الفلسطيني الذي يتهمونه بالأنانية والنظرة الضيقة وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة. معبر رفح البري بين قطاع غزة ومصر أحد أهم مكونات الحياة العادية للفلسطينيين فمنه يغادرون الى العالم الخارجي. وفتحه يمثل طوق النجاه للآلاف من أصحاب الاقامات في الخارج أو الطلبة واصحاب المصالح الخاصة وغيرهم من فئات المجتمع المكوي بنار الانقسام والانفصال. ولا يمكننا أن نغفل هنا تمسك السلطة الفلسطينية بضرورة استمرار اغلاق المعبر طالما هي غائبة ولا توجد سلطة ممثلة عنها هناك بغض النظر عن العذابات التي يتجرعها السكان نتيجة للمكابرة والعناد ومن دون الالتفات الى كيفية تلبية أدنى أو ابسط الحاجات أو محاولة البحث عن البديل. فالمعبر ينظر إليه على أنه «رمز للشرعية»، لكن هذا التعامل يؤرق أهل القطاع، ففي الحالات المحدودة عندما قامت مصر بتشغيل المعبر كانت تساور السلطة في رام لله الهواجس والشكوك وتبدأ بالاستفسار والبحث مستنكرة هذا الإجراء ولا تطمئن أو يستقر حالها إلا بعد إغلاق المعبر. باختصار شديد فإن الغالبية الصامتة انتهكت آمالها وأجهضت أحلامها ومصائرها أصبحت مرهونة في يد من لا يرحم بعدما اصبح الوطن بأكمله مستباحاً على مذبح الاختلافات. المعبر ذاته أُدخل دوماً في سجال وخضم السياسة، سواء في ما يتعلق بعلاقات القوى مع بعضها البعض، ودور «حماس» السلطة المسيطرة في القطاع ومصر التي تعتبر عملية الدخول والخروج من أراضيها مسألة سيادية بحته. فعلى رغم أن القاهرة تعمل بالتزامن مع جولات الحوار ومن منطق فهمها الخاص لتفكيك الحصار والسماح بخروج المئات من سكان القطاع إلى الخارج للالتحاق بمصالحهم الا أن «حماس» كسلطة تدير غزة لا تزال تريد أن تكون نداً سياسياً لمصر. فعلى رغم أن القاهرة تعلن باستمرار عن فتح المنفذ البري إلا أن «حماس» منعت المسافرين من المغادرة بذريعة أنه لم يتم التنسيق معها في عمليات تشغيل المعبر!. كل ذلك يتم فيما يعاني الناس مأساة الانتظار في حالات الفتح بأشكال مختلفة، حتى أنهم باتوا يعتبرون أن الداخل مفقود والخارج مولود، في إشارة منهم إلى حلم السفر وفوائده وكذلك وصفهم لحالة العيش في ظروف الحصار بأن حال الأسرى في سجون الاحتلال افضل من حياتهم في معتقل كبير بينما لا أمل في الفكاك من سجانيه! «حماس» تسمح لمناصريها بتصدر مقاعد الحافلات الأولى في حالات السفر النادرة وتمنع قوائم أخرى من الوصول للبوابة المصرية على رغم التنسيق الخاص من قبل السلطات المختصة والحجة دوماً «ما فيش شي اسمه تنسيق خاص» وكان آخر الحوادث منع سفر 25 صحافياً من القطاع للمشاركة في الدورة التدريبية في القاهرة، وطبعاً يستغل الحصار إعلامياً ضد مصر بهدف محاكمتها سياسياً أمام الرأي العام العربي والإسلامي من خلال توظيف الحركة لآلام الناس بينما الاحتلال الإسرائيلي هو صاحب المسؤولية المباشرة عما يجري. في القطاع لا يعيش الناس إلا على جرعات من الأمل وأبرز ما ترنو إليه أعينهم هو استمرار وإصرار القاهرة على انجاح الحوار الوطني الفلسطيني لانهاء الانقسام وفتح صفحة جديدة من العلاقات الداخلية فهل تكون الفصائل على قدر المسؤولية؟