عندما اندلعت أزمة المال العالمية في أواخر عام 2008، طُرحت آراء عدة حول ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي. ومن بين الحلول المقترحة زيادة موارد صندوق النقد الدولي والتفكير بعملة أخرى أو مجموعة من العملات لتكون عملة الاحتياط الدولية عوضاً عن الدولار. وعلى رغم عقد اجتماعات متعددة لمجموعة الثماني ومجموعة العشرين ودول عدم الانحياز ومنظمات الأممالمتحدة، لم يتقدم أي طرف باقتراحات تستحق الدرس أو التطبيق. فكل المقترحات الخاصة بضرورة التخلي عن الدولار كعملة احتياط لم تقدم أي بديل منه. حتى اجراءات الدول التي قررت تنويع احتياطاتها لتقلل من اعتمادها على الدولار، لم تترك أثراً يستحق تطبيقه أو الأخذ به من قبل دول أخرى. فالتخلي عن الدولار كعملة احتياط دولية، لا يمكن أن يتحقق بسلوك فردي من بعض الدول التي تعمل على التحول عنه لأسباب سياسية أو اقتصادية. فهناك مجموعة من العوامل الراسخة التي تعطي عملة معينة أهميتها لتصبح عملة الاحتياط الدولية، أهمها الثقة بالعملة، وتخلقها عادة القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية مجتمعة للدولة المعنية. وحتى لو مرت عملة الاحتياط بأزمات ضعف وتقلب، فإنها تظل محتفظة بقوتها طالما ظلت الدولة صاحبة العملة هي الأقوى على مستوى العالم. فالجنيه الإسترليني مثلاً كان عملة الاحتياط الدولية، على خلفية القوة الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية لما كان يعرف آنذاك بالإمبراطورية البريطانية. صحيح أن الإسترليني كان مرتبطاً بقاعدة الذهب أثناء ازدهار الإمبراطورية، لكن عندما تركت بريطانيا الذهب في 1931، بالتزامن مع بداية انحدار القوة الاقتصادية والتجارية والعسكرية والسياسية للإمبراطورية، لم يسارع العالم إلى التخلي عن الجنيه الإسترليني كعملة احتياط دولية لأن الثقة به كانت لا تزال قوية، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة لم تكن برزت بعد كقوة بديلة على كل الأصعدة. فظهورها كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية عالمية لم يظهر جلياً إلا بعد دورها في إنهاء الحرب العالمية الثانية لمصلحة الحلفاء، وفي إعادة إعمار أوروبا من خلال مشروع «مارشال»، ودورها في تأسيس منظمة الأممالمتحدة ومؤتمر «بريتن وودز» في 1945، ثم الاتفاق العام للتجارة والتعريفات (غات) بهدف إدارة الاقتصاد العالمي بطريقة تهدف إلى منع حدوث حرب عالمية جديدة. وعلى رغم ذلك البروز الباهر للولايات المتحدة على أصعدة مختلفة ومع أن الدولار كان مرتبطاً بالذهب، فإنه تطلب اكثر من عقدين بعد الحرب العالمية الثانية ليحل محل الجنيه الإسترليني. لا يكمن اذاً إصلاح النظام المالي العالمي ومحاولة منع تكرار حدوث أزمات مالية كالتي يمر فيها العالم اليوم، من خلال استبدال عملة الاحتياط الدولية، لأن هذا البديل غير متوفر في الوقت الحاضر ضمن أي من العملات الدولية الأخرى في ضوء استمرار القوة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة. وقد لا يتوفر البديل في سلة من العملات لأن هذه السلة مهما تنوعت مكوناتها سيظل الدولار يحتل النسبة الأكبر فيها خصوصاً ان معظم معاملات التجارة الدولية تتم بالعملة الأميركية وليس فقط النفط كما يعتقد بعضهم. فالمشكلة بنيوية تكمن في قدرة الدولة التي تُعتمد عملتها للاحتياط الدولي، على تبني سياسات نقدية ومالية تحقق من خلالها أهدافها الاقتصادية والسياسية والعسكرية بغض النظر عن تأثيرها على بقية اقتصادات العالم، في وقت لا تمتلك المؤسسات الدولية مثل الأممالمتحدة، آليات تتمكن من خلالها من ممارسة أي نوع من أنواع الرقابة على عملة الاحتياط الدولية. إن منظمة الأممالمتحدة وغيرها التي تشكلت وحددت مهماتها في ظروف مختلفة كثيراً عن الظروف العالمية التي تطورت فيما بعد، لم يدخل أي تعديل على مهماتها طيلة العقود الستة التي أعقبت تأسيسها. إن إصلاح النظام المالي العالمي يجب أن يشدد على إعادة النظر في الدور الاقتصادي للأمم المتحدة وما انبثق عن مؤتمرات دولية مثل «بريتن وودز»، ليصبح لديها قوة رقابية على السياسات النقدية والمالية للولايات المتحدة في شكل خاص، والدول الكبرى الأخرى المؤثرة على الاقتصاد العالمي في شكل عام، بحيث تضع نوعاً من المحددات على القدرات التوسعية والانكماشية لهذه السياسات وتملك الآليات والصلاحيات لممارسة رقابتها عليها. في هذا الاتجاه يجب ان تسعى جهود إصلاح النظام المالي الدولي. * باحثة وكاتبة اقتصادية