في مطلع الأسبوع الماضي أرسلت رسالة إلكترونية إلى أحد الأصدقاء الضالعين في الشأن العراقي، وهو مقيم داخل العراق، أسأله عن الوضع الأمني والتطورات السياسية في بغداد، بعد يومين وصلتني منه رسالة ذكر فيها أن المؤشرات على أرض الواقع تشير إلى أن الأحزاب الشيعية (وصديقي شيعي) المتنافسة على الحكم تريد الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي، وهذا يؤشر بدوره إلى أن العراق سيشهد موجة عنف قوية من هذه الأحزاب قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، بهدف إسقاط ورقة الأمن التي يتفاخر بها المالكي، ومن ثم اتهام «التكفيريين» بزعزعة الأمن في العراق. بعد هذه الرسالة بيومين وقع التفجير الذي استهدف وزارتي الخارجية والمالية الأربعاء الماضي، وراح ضحيته مئات القتلى والجرحى، بينما نجا من الحادثة جميع قيادات الوزارتين من الصف الأول والثاني. بعد الحادثة أصدر مكتب المالكي بياناً «اتهم فيه المجرمين من البعثيين والتكفيريين وبدعم من الخارج بدفع البلاد إلى صراع طائفي...»، فيما اتهم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي «عناصر من حزب البعث المنحل والجماعات التكفيرية»، أما النائب سامي العسكري وهو من المقربين من رئيس الوزراء اتهم وبشكل مباشر، السعودية بدعم مرتكبي الهجمات، ليس هذا فحسب، بل إن هناك أطرافاً اتهمت «القاعدة والبعث المدعومين من السعودية»، متناسية أن المملكة لا يربطها ولم يربطها مع «القاعدة والبعث» في يوم من الأيام أي حبل من الود. لست هنا لأقول إن تحليلات صديقي صائبة مئة في المئة، بل لأذكّر الذين اتهموا السعودية بدعم التفجيرات في العراق، أن زيارة المالكي إلى سورية كانت ستستغرق ثلاثة أيام، لماذا اختصرت ليوم واحد؟ ولماذا ألغى المالكي زيارته إلى فندق الرشيد لحضور مؤتمر عشائري في اليوم نفسه الذي وقعت فيه التفجيرات؟ ولماذا ضرب وبالتزامن مع التفجيرات فندق الرشيد (وسط المنطقة الخضراء) بالصواريخ؟ وقبل هذا وذاك كيف دخلت شاحنتان مفخختان إلى منطقة مؤمّنة؟ وكيف تمكن أحد سائقي الشاحنات من الفرار؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير أوجهها للنائب سامي العسكري، وأذكّره هو الآخر، بأن السعودية ليست لديها مصلحة في تأزيم الوضع في العراق، بل إن مصلحتها تكمن باستقرار العراق، وأن لا أحد يستفيد من هذه التفجيرات سوى القوى السياسية المدعومة من إيران، وأن الهدف الأساسي لهذه التفجيرات هو الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي سياسياً، عشية الانتخابات النيابية في كانون الثاني (يناير) المقبل، أو قتله جسدياً أثناء مرور موكبه لحضور المؤتمر العشائري الذي كان مقرراً أن يعقد تحت رعايته. من المؤكد أن سامي العسكري وهو عضو في البرلمان، يعلم أن رئيس جهاز المخابرات العراقي محمد الشهواني اختلف مع رئاسة مجلس الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وأن الشهواني اتهم إيران بتأجيج العنف الطائفي في العراق، وقال في حضور المالكي «إن لديه أدلة على تورط إيران يريد أن يعرض جزءاً منها على الرأي العام»، فانبرى له رجال طهران في رئاسة مجلس الوزراء ومنعوه من عرضها، ما دفعه إلى تقديم استقالته والسفر خارج العراق. بدوري أتمنى أن يكون الشهواني قدم استقالته دفاعاً عن وطنه العراق وألا يتراجع عنها، لا أن يسلك سلوك بعض «ساسة العراق الجدد» الذين يساومون حكومتهم وأحزابهم بما لديهم من معلومات، بهدف تحقيق مكاسب مادية وسياسية. رئيس المجلس الأعلى عبدالعزيز الحكيم المدعوم إيرانياً يعلم أن هناك شخصيات عراقية من العرب والأكراد والتركمان من السنة والشيعة، يعملون الآن على قدم وساق لتشكيل جبهة علمانية موحدة لخوض الانتخابات المقبلة، بهدف تقويض سيطرة الأحزاب الدينية في العراق، وهي جبهة إذا ما حققت تقدماً ستضر بمصالح الحكيم وولده عمار، وليس أمامه من الحلول سوى تأجيج العنف والاحتماء بجدار الطائفة وأموال نفط الجنوب الذي يحتكره ابنه وخليفته في رئاسة المجلس.