غابت أروى الهيال (32 سنة) عن جلسة مؤتمر الحوار الوطني لتحضر حفلة تدشين مخيم طبي مجاني أقيم في حي سكني يقطنه مهمشون من أفراد الفئة الأشد فقرا في ضاحية «مذبح» غرب العاصمة اليمنية صنعاء. منذ أسابيع والهيال ورفاقها الشبان في اتحاد الشباب الاشتراكي، ينشطون في أعمال تطوعية وخيرية تهدف إلى خدمة مجتمعهم المحلي ومساعدة السكان. ويؤخذ على شبان الأحزاب اليمنية، وخصوصاً اليسارية والقومية منها، «تقوقعهم» في نشاطات تقليدية، من قبيل التحريض السياسي والاستقطاب الحزبي، ما يباعد بينهم وبين هموم مجتمعاتهم وقضاياها. ويرى الشاب حمدي ردمان في المبادرات المجتمعية التي باشرها أخيراً اتحاد الشباب الاشتراكي «يقظة متأخرة»، لكنها تبقى «أفضل من المكوث في جلبة الضجيج السياسي». وشكل شبان الأحزاب قاعدة الانتفاضة الشعبية التي أجبرت الرئيس السابق علي عبد الله صالح على التنحي عن الحكم، إلا أن ثورة الربيع العربي في حال اليمن لم تترك أثراً كبيراً في وعي الشباب، ولم تغير من أنماط سلوكهم. ووفق الخريجة الجامعية إلهام المحيا، فإن انتفاضة الشباب اليمني جاءت أشبه ب «ثورة عجائز»، خصوصاً لجهة عدم قطعها مع الثقافة السياسية التقليدية وعجزها عن ابتكار أساليب نضالية جديدة. وتلفت المحيا إلى انغماس شبان الأحزاب في «مناطحات عف عليها الزمن»، من قبيل معاداة الرجعية والإمبريالية والصهيونية، معتبرة استمرار هذا الخطاب دليلاً على أن الشباب الحزبي لم يبارح بعد ماضي الأوهام الأيديولوجية. وباستثناء الأحزاب الدينية، التي شرعت منذ وقت مبكر بدمج شبانها في شبكة أعمال ومنظمات طوعية وجمعيات خيرية، لجعلهم أكثر التصاقاً بالمجتمع، يغيب عن كثير من الأحزاب مبدأ استثمار طاقة الشباب في أعمال مجتمعية بما من شأنه تحقيق عائد مادي وسياسي لهذه الأحزاب وتحسين حياة أعضائها. وما انفكت الصورة التقليدية للمناضل السياسي الذي لا يملك شيئاً يخسره سوى قيوده، تلهب خيال شبيبة اليسار اليمني وتدفعها إلى نوع من اللامبالاة والبطالة الاختيارية. وكان توفير الغذاء للشبان المعتصمين في ساحات الاحتجاج على مدى ما يزيد على عام عزز حال الاتكالية لدى كثيرين منهم، حتى إن البعض يرفض مغادرة مكان الاعتصام. ويقول هائل عبده ناجي الذي ما زال يرابط في خيمته في ساحة التغيير: «سنبقى هنا حتى تتحقق أهداف الثورة أو يأتينا صاروخ أو طائرة»، في إشارة إلى انطلاق صواريخ جراء تفجر مخزن سلاح للجيش العام الماضي وسقوط طائرة حربية قرب الساحة في شباط (فبراير) الماضي. وسبق لمستشارة رئيس الجمهورية فائقة السيد، أن انتقدت هذه الظاهرة، مؤكدة أن «الثورة تعني العمل وليس القعود في الأرصفة والميادين». ويخشى البعض أن تكون يقظة الشبيبة الاشتراكية محكومة بالمناسباتية ولا تعبر عن توجه حقيقي، فثمة من يربط بين توجه الشباب الاشتراكي نحو العمل المجتمعي واقتراب موسم الانتخابات، خصوصاً في ضوء تردد أنباء عن نية أمين عام الحزب الاشتراكي الترشح لرئاسة الجمهورية، المتوقع إجراؤها مطلع العام المقبل. ولوحظ في المخيم الطبي الذي نظمه اتحاد الشباب الاشتراكي وجود فتيات من الفئة المهمشة (وتسمى الاخدام) وقد علقن على صدورهن بطاقاتهن الحزبية. لكن أياً من الأحزاب لم يَشْرَع حتى الآن في تبني برامج تنمي مهارات أبناء هذه الفئة، بما من شأنه مساعدتهم في الحصول على فرص عمل وغالباً ما ينحصر الاهتمام الحزبي بهم على المناسبات والانتخابات. ويعاني اليمن من ضائقة اقتصادية مزمنة ومن تفشي الفقر والبطالة، وتشير التقديرات الرسمية إلى وجود نحو 7 ملايين خريج جامعي عاطل من العمل. ويُرجع حمدي ردمان عدم توجه كثير من الأحزاب اليمنية إلى الاستثمار في مشاريع اقتصادية يمكن أن تساهم في امتصاص بطالة الشباب، إلى طبيعة الثقافة السياسية الشمولية لدى قيادات هذه الأحزاب، وهي ثقافة «ما زالت تنظر إلى الدولة باعتبارها المصدر الوحيد للثروة والقوة، الأمر الذي من شانه إدامة الصراع العنيف على السلطة»