تكثر مغريات ومفاجآت مدينة البترون الساحلية الواقعة على مسافة 50 كيلومتراً شمال العاصمة اللبنانية بيروت في فصل الصيف، حيث تجذبك أكواب «الليموناضة» المثلجة، ورائحة كبة السمك بالقرب من ذلك السور الحجري الذي صمد بوجه أمواج البحر والزلازل منذ الآف السنين، وتتحوّل المدينة الى كرنفال دائم حيث يرقص الناس في الشوارع حتى ساعات متأخرة. ينظّم في البترون سنوياً مهرجاناً مميّزاً بين الأول من تموز (يوليو) و31 آب (أغسطس)، تتخلّله نشاطات وحفلات تستعيد تراث هذه المنطقة. ومنذ تحطّ قدماك على أرضها، تجد أعضاء اللجنة المنظمة للمهرجان في انتظارك وعلى رأسهم المصوّر العالمي المعروف فارس جمّال فضلاً عن المرشدات السياحيات من صبايا المنطقة .... ولا بدّ بداية من ضيافة بترونية يتغنى بها الأهلون وهي كوب «الليموناضة» الأصلي حيث تنتشر زراعة الليمون في بساتين المدينة. وستجد صعوبة في الاعتذار عن المشاركة في «الترويقة» البلدية التي تمتد سفرتها وطاولاتها العامرة على امتداد السوق العتيق... ولك بعد ذلك أن تستقل الدراجة الهوائية أو العربة المخصصة للجولة داخل الأحياء القديمة وبين الآثارات الكثيرة في البترون من المدرج الروماني والكنائس والأديرة والمنازل الأثرية..... وتتطلّع بفرح الى الرسومات التي أنجزتها أنامل الطلاب المشاركين في مسابقة «الشجرة والحياة»، والنشاطات الثقافية التي تنظمها «دار المنى». لا تقوى على رفض الدعوة لركوب قارب يجول بك شاطئ المدينة، حيث تعاين أنظف الشواطئ في لبنان وتحيّي الصيادين المنهمكين في تحضير شباكهم ورميها في البحر، وصولاً الى التمتّع بمنظر الواجهة البحرية المميزة ذات الطابع الهندسي اللبناني حيث يحميها وعلى مدى القرون ذلك السور الفينيقي الصخري القديم المتاخم لصخرة «مقعد المير» الشهيرة .... ويشّدك مشهد عشرات المراكب البترونية بأشرعتها الزاهية الألوان تمرّ أمامك في مشهدية فريدة من نوعها. وفجأة تجحظ عيناك دهشة عندما تشاهد عرضاً فجائياً محترفاً لراقصي «الهيب هوب» على الماء من فريق « كويك سيلفر» العالمي! عند الظهر تسمع موسيقى منبعثة من آلات عازفين يفترشون الزواريب بين المنازل السكنية التي تفوح منها رائحة السمك الطازج. تتفاجأ بسيّدة تدعوك بحماسة لتناول الغداء مع عائلتها. بينما يناولك عجوز يقف على مدخل منزل آخر « لقمة» من الأكلة الشعبية التي تشتهر بها البترون وهي « كبة السمك»، قائلاً: «خذلك هالبلكووم الحرزان مع كاسة ليموناضة طازة، ودعيلي». على هذا النحو كانت أيام الآحاد الصيفية في البترون التي غزتها نشاطات مجانية متنوعة وممتعة على مدى النهار، بينما توزّعت النشاطات المسائية أيام الجمعة والسبت ليلاً حافلة كما النشاطات النهارية وتميّزت بعرض للفرقة الصينية التي تأسست عام 1987 وتتألف من عشرات الراقصين والعازفين المبدعين من «ذوي الحالات الخاصة». كما استضاف المهرجان المغني اللبناني - العالمي «ماساري»، إضافة الى وائل كفوري وجورج وسوف. ولم ينس منظمو المهرجان توجيه تحية للعائلة الرحبانية عبر إعادة تمثيل مسرحية «المحطة» بحضور ضيف الشرف الممثل جورج خباز . وتستمر حفلات البترون الليلية حتى أواخر الشهر الحالي، خصوصاً تلك التي تنظمها الملاهي الليلية في الهواء الطلق وسط الشارع العام، حيث يتجمع عشرات الآلاف من اللبنانيين والعرب والأجانب، إضافة الى حفلات الشاطئ حيث تمتزج أصوات الموسيقى الهادئة بضربات الموج اللطيفة على الرمال والصخور...