في خضم الصراع السياسي الذي تعانيه مصر منذ شهور، برز صراع آخر لا يقل أهمية بين الأزهر من جهة وجماعة «الإخوان المسلمين» المتهمة ب «الهيمنة على مفاصل مؤسسات الدولة» من جهة أخرى، على المرجعية الدينية التي تعزز دورها في الدستور الجديد. وأعلن أمس إمام مسجد عمر مكرم -الملقب ب «خطيب الثورة»- مظهر شاهين، وسط جمع من الدعاة والسياسيين إطلاق «الجبهة الوطنية للدفاع عن الأزهر والأوقاف» بهدف «الحؤول دون أخونة الأزهر ووزارة الأوقاف»، بعد أسابيع من تظاهرات لدعاة أزهريين ضد وزير الأوقاف السلفي طلعت عفيفي احتجاجاً على «أخونة الوزارة» و «سيطرة الجماعة على مفاصل المؤسسات الإسلامية». وتلا شاهين بياناً قال فيه إن «الهدف الأول للجبهة هو رفض أخونة وزارة الأوقاف بكل مؤسساتها وإقالة كل القيادات التي جاءت من خارج الوزارة»، مشيراً إلى أن الجبهة «لا تمارس السياسة لأنها غير مسيسة». ورغم المواجهات العلنية بين الأزهر والتيار السلفي خلال عملية صياغة الدستور، إلا أن أقطاب التيار السلفي انضموا أخيراً إلى الرافضين لسيطرة «الإخوان» على المساجد، فيما استند نواب حزب «النور» السلفي في مجلس الشورى إلى المادة الرابعة في الدستور التي تنص على «أخذ رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية» لمهاجمة قانون «الصكوك الإسلامية» الذي مرره مجلس الشورى قبل أسبوع، رغم رفض الأزهر. وذهب وفد من نواب «النور» والتقى شيخ الأزهر أحمد الطيب لمطالبته بالتدخل لمنع تمرير القانون الجديد، بعدما طلبوا من الرئاسة الالتزام بالدستور وعرض القانون على هيئة كبار العلماء قبل التصديق عليه، ليجتمع بعدها مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الطيب ويقرر تجاهل الشورى ويحيل بنفسه قانون الصكوك على هيئة كبار العلماء لدرسه «وإبداء الرأي الشرعي». ووجَّه المجمع، وهو أعلى هيئة فقهية في الأزهر، انتقادات لاذعة إلى القانون في بيان أول من أمس، معتبراً أنه «يناقض الدستور» ما أحرج في شدة السلطة الحاكمة وأبرز تنازعاً على المرجعية الدينية بين الأزهر وقوى الإسلام السياسي في مصر. وأقرت أستاذة فلسفة العقيدة في جامعة الأزهر آمنة نصير بوجود نزاع بين الأزهر وجماعة «الإخوان» أرجعته إلى «إرث السنوات الماضية»، في إشارة إلى القضية التي عرفت إعلامياً ب «ميليشيات الأزهر» وسُجن فيها عدد من قادة «الإخوان» بتهمة تنظيم عرض شبه عسكري لطلاب الجماعة في حرم جامعة الأزهر. لكن نصير قالت ل «الحياة» إن «هذا الصراع هو ضمن صراع مع كل أطراف البلد، لأن القيادة لم تنجح في احتواء البلد المتعب والمثقل الذي شهد تغيرات سيكولوجية... هم (قادة الإخوان) خرجوا من المعتقلات وكان يجب أن يكونوا أكثر حكمة وتعقلاً، وألا يلهثوا بهذه الصورة قبل أن يتعافوا هم أولاً ويتعافى البلد». ورأت أن «الإخوان أضاعوا على أنفسهم فرصة لا تتكرر، وأضاعوا على البلد فرصة التحرر وأن يخطوَ خطوات أفضل». ولفتت إلى أن «الإخوان منذ وصولهم إلى السلطة سعوا إلى السيطرة على الأزهر ووزارة الأوقاف عبر تعيين أنصارهم، الأمر الذي أثار القلق». ورفض مستشار شيخ الأزهر محمود عزب «إقحام الأزهر في النزاعات السياسية»، مشدداً على أن «الأزهر يتخذ مواقفه إيماناً بدوره العميق بضرورة تغليب المصلحة العليا للبلاد وتحقيق السلام والتماسك لشعبها». وقال: «لا نسعى إلى مكاسب سياسية وليست لدينا أجندة سياسية... نجتهد في ما نراه في مصلحة البلاد والعباد». وكان وزير الأوقاف دافع عن سياساته نافياً في مؤتمر صحافي عقده منتصف الأسبوع الماضي وخصصه للرد على احتجاجات الدعاة إسناد المناصب القيادية إلى أعضاء جماعة «الإخوان»، مؤكداً: «نُسند المناصب إلى الأكفاء، وجئنا إلى الوزارة ليس باختيار منا ولكنها سيقت إلينا، وأردنا أن نحقق في هذا المجال خطوات إيجابية لمصلحة المسجد والإمام ولكل مجالات الحياة التي إذا صلح فيها الداعية سيُصلح الله خلقاً كثيرين». لكنه رأى أن «الانتساب إلى الإخوان أو إلى السلفيين أو إلى أي فصيل ليس تهمة أو سبُة، كلنا نتعاون على البر والتقوى، ونقدم الكفاءة على الانتماء». من جهة أخرى، تواصلت أمس ردود الفعل على حكم قضائي صدر الأربعاء الماضي ببطلان تعيين النائب العام طلعت عبدالله، إذ اعتبرت «لجنة شباب القضاة والنيابة العامة» أن حكم محكمة الاستئناف «فرصة جيدة للرئيس محمد مرسي لتصحيح الوضع الخاطئ الذي انجرف إليه القضاء». وأشارت في بيان أمس، إلى أنه «تكفي عودة المستشار طلعت عبدالله إلى مكانه على منصة القضاء، كما أن المستشار عبدالمجيد محمود أكد أنه لا يرغب في العودة إلى منصب النائب العام مرة أخرى، ومن ثم فالأمر حالياً بيد الرئيس مرسي، وأمامه فرصة ليؤكد احترامه القضاءَ واستقلالَه، بأن يعلن احترامه الحكم ويطلب من مجلس القضاء أن يختار نائباً عاماً جديداً يكتفي الرئيس بالتصديق على تعيينه حسبما ينص الدستور الجديد». وأعلنت اللجنة أن «أعضاء النيابة العامة في جميع نيابات مصر ملتزمون بتنفيذ هذا الحكم، ولم يعد المستشار عبدالله هو النائب العام لجمهورية مصر العربية، فلا تعامل معه مطلقاً وسنتخذ من الإجراءات التصعيدية ما يحقق مطلبنا المشروع مهما كلفنا ذلك». وقال مؤسس «التيار الشعبي» القيادي في «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة حمدين صباحى، إن «النائب العام الحالي لا يمثل أي معنى من معاني استقلال القضاء»، مشدداً على أن «معركة استقلال القضاء جزء من مرحلة الحريات لإقرار دولة القانون». أما منسق «جبهة الإنقاذ» محمد البرادعي فعلق على الحكم قائلاً: «الحكم بإلغاء قرار تعيين النائب العام: سيرك الإعلانات الدستورية والدساتير والقوانين مستمر إلى حين يفهم النظام معنى دولة القانون».