دعا رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ المجتمع الدولي إلى التعاون الجاد، سعياً لنشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال، وبناء علاقات تعاون وسلام بين الثقافات والشعوب والدول، إذ إنه لا مخرج من ذلك ألا بالالتقاء على كلمة سواء عبر الحوار بين أتباع الأديان والحضارات. جاء ذلك في كلمة له في مستهل أعمال الجمعية 128 للاتحاد البرلماني الدولي الذي يعقد أعماله في كيتو عاصمة الإكوادور حالياً. وأفاد آل الشيخ أنه نتيجة لجهود المملكة المستمرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فقد أسس بالتعاون مع كل من إسبانيا والنمسا مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، الذي افتتح في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، إيماناً منه بأن الإنسان قادر على أن يجعل العالم واحة سلام واطمئنان يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات، ويتعاون الناس فيه مع بعضهم باحترام، ويواجهون المشكلات بالحوار لا بالعنف. وأوضح رئيس مجلس الشورى أن المملكة تؤمن بأن الحوار أحد الوسائل الفاعلة من أجل حياة كريمة ومستقرة، ومن هذا المنطلق سعت حكومة المملكة على الصعيد المحلي إلى نشر ثقافة الحوار على نطاق واسع، فأسست قبل أعوام مركزاً وطنياً مختصاً بالحوار، وهو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومقره الرياض، الذي يشارك فيه جميع مكونات المجتمع السعودي، ويعقد لقاءات حول كل القضايا التي تهم المجتمع السعودي في أروقة هذا المركز وفي مناطق المملكة المتعددة، كما سعت المملكة إلى تطوير برامج التعليم، ومحو الأمية، وتوفير فرص العمل، والتأهيل والتدريب، وابتعاث أكثر من 150 ألف طالب وطالبة إلى جميع قارات العالم، ما يعكس الإيمان بأن العلم والمعرفة من أهم أدوات الحوار والفهم الصحيح للآخر، كما شاركت المرأة السعودية في الدورة الحالية لمجلس الشورى وللمرة الأولى بعضوية 30 امرأة، ما يشكل 20 في المئة من مقاعد المجلس، وستشارك أيضاً في عضوية المجالس البلدية في دورتها المقبلة. وقال: «إن مؤتمركم يطرح اليوم موضوعاً مهماً يعد أحد أهم القضايا والتحديات الملحّة التي يواجهها العالم وتؤثر في مقوماته البشرية والبيئية، ولا شك أننا جميعاً نتفق على أن تحقيق رخاء المعيشة للشعوب هو الهدف الأسمى للتنمية، ولكن الحلول والأساليب والنظريات لتحقيق ذلك الهدف عديدة ومختلفة». وأضاف رئيس مجلس الشورى أن العالم اليوم يمر بمتغيرات متسارعة توجب علينا إعادة ترتيب أولوياتنا التنموية، فما كان بالأمس من كماليات الحياة الإنسانية الكريمة أصبح اليوم من ضرورات التنمية وأولوياتها، كما أن نجاح أية تجربة تنموية رهنٌ بحسن استغلال الظروف والمقومات التي يمتلكها كل بلد، والتعامل معها وفق حكمة ومسؤولية وخطط استراتيجية مدروسة، ومن الواجب على الجميع التكاتف في هذا المجال من أجل دعم الدول التي تفتقد القدرة على فعل التنمية في أوطانها، حتى لا تتوقف عن الركب التنموي العالمي، ولتنعم جميع الشعوب بمستوى عادلٍٍ من الرخاء والتنمية، كل ذلك من أجل تحقيق عالم أكثر رخاءً واستقراراً وسلاماً، ينعم فيه الجميع قدر الإمكان برغد العيش وصيانة الكرامة الإنسانية. وأوضح أن المملكة تعد بفضل الله من أكثر الدول إسهاماً في تقديم المعونات الإنسانية والإنمائية مقارنة بإجمالي الناتج الوطني على مستوى العالم، إذ بلغت نسبة ما قدمته المملكة 5.45 في المئة من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج الوطني، في حين أن النسبة المقررة لدى الأممالمتحدة هي 7 من 10 في المئة، والمملكة تقدم تلك المساعدات لمختلف دول العالم في الشرق والغرب والشمال والجنوب بلا استثناء، ومن دون تفريق بين دين وعرق أو جنسية، وأسهمت تلك المساعدات بفضل الله تعالى في معالجة الكثير من الأزمات. وأفاد أنه في ظل النقاش الدولي المستمر حول القضايا المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والبشرية والظروف الاقتصادية والاجتماعية العالمية، فإن المملكة - ومن خلال وجودها ضمن مجموعة ال20، تؤكد دعم الجهود الرامية لاستقرار الاقتصاد العالمي ونماء التجارة العالمية، واتخاذ المزيد من الإجراءات لتحرير التجارة وتجنب السياسات الحمائية، مبيناً أن المملكة تحرص على أن تكون جهود إصلاح النظام المالي والنقدي والتجاري الدولي من خلال المؤسسات القائمة، لبناء نظام اقتصادي عالمي يقوم على شراكة جديدة بين الدول النامية والدول المتقدمة، على أساس من التعاون والعدل والمساواة والشفافية والمنافع المتبادلة، كما أنه على المستوى الداخلي فإن مسيرة البناء في المملكة تسير وفق خطط تنموية خمسية بلغت حتى الآن تسع خطط تنموية، حققت المملكة من خلالها قفزات نمو سريعة ونهضة حضارية شاملة، نقلتها إلى مرحلة الإنماء السريع. وتطرق عبدالله آل الشيخ في كلمته إلى أهمية القضية الفلسطينية، إذ لا تزال فلسطين الجريحة تئن تحت وطأة الاحتلال والتعسف من الكيان الإسرائيلي، ويُمارس في حق شعبها صنوف العدوان والظلم والتهجير في تحدٍّ سافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وفي رفض لكل مبادرات وقف العنف، الأمر الذي يوجب علينا الوقوف ضده، وتكثيف الجهود لحشد موقف دولي موحد للضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها وتوسعها في بناء المستوطنات وابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية، واستئناف المفاوضات وفق المواثيق الدولية المعروفة ومبادرة السلام العربية وخريطة الطريق، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وتطرق إلى الوضع في سورية، وقال: «تزداد كل يوم الأوضاع المأسوية والإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب السوري، وما يقوم به النظام السوري من جرائم بشعة من تنكيل وتعذيب وقتل ممنهج وتشريد ونزوح للشعب المغلوب على أمره، خوفاً من بطش هذا النظام، وبلغت هذه الجرائم مستويات لا يمكن أن يبرر صمت المجتمع الدولي عنها، أو عدم عمل أي فعل لردعها»، مؤكداً أن على المجتمع الدولي، خصوصاً مجلس الأمن، أن يتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لوقف هذه الجرائم والعنف عن الشعب السوري، وإنهاء انتقال السلطة بكل الوسائل الممكنة.