لم تكد المعارك بين الشرطة والمتظاهرين تضع أوزارها في محيط ميدان التحرير في قلب القاهرة ومدن إقليمية عدة، فُتحت جبهة جديدة للصدامات بين الطرفين أمام المقر الرئيس لجماعة «الإخوان المسلمين» في حي المقطم القاهري، إثر اعتداء أنصار الجماعة على صحافيين وناشطين أول من أمس لمنع ناشطين من تنظيم فعالية احتجاجية أمام مقر مكتب الإرشاد كانوا ينو,ن خلالها رسم «غرافيتي» يندد بسياسات الجماعة. وأثارت لقطات مصورة نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لعنف «الإخوان» في مواجهة الناشطين استياءً بالغاً وغذت دعوات عدة إلى التظاهر أمام مقر مكتب الإرشاد. وكان ناشطون تظاهروا أول من أمس أمام مقر الجماعة وما إن شرعوا في رسم «غرافيتي» على أسوار بنايات مجاورة للمقر وعلى الأرض أثناء اجتماع قيادات مكتب الإرشاد بقادة حركة «حماس»، حتى هاجم شبان ملتحون من أنصار الجماعة الناشطين بالشوم والعصي وأوسعوهم ضرباً. وأظهرت لقطات فيديو شباناً ملتحين يعتدون على الناشط أحمد دومة ويسحلونه حتى غطت الدماء وجهه، فيما طارد آخرون ناشطين بالهراوات وضربوهم على ظهورهم، وسط سباب بأقذع الألفاظ. لكن أكثر مشهد أثار استياء، حتى بين حلفاء «الإخوان» من السلفيين، كان لشاب ملتح صفع الناشطة ميرفت موسى على وجهها فطرحها أرضاً من شدة الصفعة. ونال صحافيون كلّفتهم صحفهم بمتابعة الوقفة الاحتجاجية نصيبهم من الضرب، وكسر «الإخوان» كاميرات بعض المصورين، وأظهروا مقداراً من العنف غير المبرر، فيما تجنبت قوات الشرطة الموجودة في المنطقة التدخل للفصل بين الجانبين. واحتجز أنصار «الإخوان» ناشطين في مقرهم، لكنهم أطلقوهم في وقت لاحق بعد مفاوضات مع الشرطة. وسعت جماعة «الإخوان» إلى تبرير الاعتداءات. وقال الناطق باسمها محمود غزلان في بيان إن «عدداً من المتظاهرين قام بسب «الإخوان» وقيادتهم بأقذع الألفاظ واستفزوا شبابنا الموجود (أمام مقر الجماعة)، وبعض الصحافيين والمصورين الذين حضروا مع المتظاهرين لتغطية الأحداث شاركوا في الاستفزاز ما تسبب في وقوع اشتباكات محدودة نرفضها جملة وتفصيلاً». وأضاف: «نحب أن نؤكد حق التظاهر السلمي الذي لا يستخدم العنف ضد الأشخاص والمنشآت ولا يجرح الهيئات والأشخاص ونبذ العنف، وكل ما يؤدي إليه من وسائل وأعمال، ونؤكد حقنا في الدفاع عن مقارنا ضد أي اعتداء، كما نؤكد احترامنا للإعلام والإعلاميين الشرفاء الذين ينقلون الحقيقة بصدق وموضوعية ومهنية، ونساعدهم على أداء رسالتهم السامية». وقال الناطق باسم الذراع السياسية للجماعة حزب «الحرية والعدالة»، جهاد الحداد إن «المحتجين بادروا بعد وصولهم أمام المقر بكتابة شعارات معادية ل «الإخوان» على الجدران»، مضيفاً عبر حسابه على موقع «تويتر» أن «التعدي على الممتلكات العامة والخاصة وكتابة ألفاظ خادشة للحياء خصوصاً في محيط سكني في عرف كل الدول الحديثة عمل غير قانوني وغير أخلاقي. ومثل هذه الأفعال المشينة لا تتوافق مع قيم المجتمع المصري وأخلاقه». وما إن حل المساء حتى تجمع مئات المتظاهرين أمام مقر مكتب الإرشاد ورشقوه بالحجارة، فتصدت لهم قوات الشرطة المكلفة حراسة المقر، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، فرد المتظاهرون بإلقاء زجاجات حارقة على قوات الشرطة. وظلت المواجهات بين الطرفين حتى فجر أمس. وأشعل متظاهرون إطارات سيارات في محيط مقر الجماعة، وأضرموا النيران في سيارة للشرطة من قوة تأمين المقر. وتحولت المنطقة إلى ساحة للكر والفر بين المتظاهرين والشرطة. وتظاهر أمس مئات أمام مقر مكتب الإرشاد وسط استنفار وغضب بين المحتجين يُنذر بتجدد الاشتباكات مع قوات الشرطة التي زادت أعدادها لتأمين المقر، بعدما دفعت بتعزيزات من قوات مكافحة الشغب، تحسباً لاندلاع اشتباكات ليلاً. ودعا ناشطون إلى تنظيم فعالية أمام مقر مكتب الإرشاد بعد غد في إطار عروض «إخوان كاذبون»، تنديداً باعتداء شباب الجماعة على المتظاهرين والناشطين والصحافيين، فيما أعلنت حركة «بلاك بلوك» عزمها التوجه يوم الجمعة إلى مكتب الإرشاد ل «تأديب الإخوان»، مطالبة أعضاءها بالتظاهر يومياً أمام المقر. ودعا المرشح الرئاسي السابق خالد علي إلى تنظيم تظاهرة حاشدة الجمعة أمام مقر الجماعة، ما يُنذر باندلاع عنف في المنطقة. وشن نقيب الصحافيين الجديد ضياء رشوان هجوماً حاداً على جماعة «الإخوان» بسبب اعتداء شبابها على محرري الصحف، وشارك مع أعضاء في مجلس النقابة في وقفة احتجاجية نظمها صحافيون أمام مقر نقابتهم لاستنكار ذلك النهج، رددوا خلالها هتافات بينها: «يا اللي بتضرب في الصحافيين... بكرة تشرف في الزنازين»، و «يللا يا صحافي قولها قوية... الإخوان دول بلطجية»، و «يسقط يسقط حكم المرشد». وقاد رشوان مسيرة من مقر النقابة إلى دار القضاء العالي للتقدم ببلاغ ضد الجماعة بسبب هذه الاعتداءات، واجتمع مساء أمس رؤساء تحرير صحف خاصة عدة وممثلو قنوات فضائية للبحث في الرد على هذه الاعتداءات، وسط دعوات إلى مقاطعة أخبار الجماعة، وترتيبات لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر مكتب الإرشاد. وأمر النائب العام طلعت عبدالله بفتح تحقيق في بلاغ رشوان ضد الجماعة الذي ذكر أنه أثناء قيام الصحافيين بأداء عملهم أمام مقر الجماعة، فوجئوا بخروج مجموعة من شباب «الإخوان» استطاعوا التعرف إلى بعض أسمائهم، ومنهم مصطفى السعداوي الحارس الشخصي لنائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر وشاب آخر يُدعى صهيب محمد محمد، وقاموا بالاعتداء على المتظاهرين ثم توجهوا نحو الصحافيين والمصورين لمنعهم من أداء عملهم واعتدوا عليهم بالسب والضرب بالأيدى والعصي والحجارة، ما أدى إلى وقوع الكثير من الإصابات بينهم. وحرر صحافيون محاضر ضد مرشد «الإخوان» محمد بديع ونائبه الشاطر. وفي ردود الفعل، أعرب حزب «الدستور» عن تضامنه مع الصحافيين والناشطين السلميين الذين تعرضوا للاعتداء بالضرب «المبرح» أمام مقر مكتب الإرشاد في المقطم، داعياً الجهات الأمنية المسؤولة إلى «التدخل الفوري لمحاسبة المسؤولين عن الاعتداء وفقاً للقانون». ودان الحزب في بيان هذا الاعتداء، واصفاً إياه بأنه «يعكس عدم احترام جماعة «الإخوان» لأبسط الحقوق في التعبير السلمي عن الرأي وكذلك حق العاملين في وسائل الإعلام من صحافيين ومصورين في أداء مهمتهم بحرّية ومن دون أي تهديد». وأعربت «حركة شباب 6 أبريل» عن غضبها جراء «الاعتداءات السافرة على الصحافيين والنشطاء أمام مقر «الإخوان» من طرف مؤيديهم من أشباه الرجال». وقالت في بيان: «رأينا تطاولهم على الفتيات بالضرب في مشهد يتنافى مع كل مبادئ الإسلام والإنسانية ممن يدّعون حمل لواء الدعوة»، مستنكرة تبرير الناطقين باسم الجماعة تلك الأفعال. وشددت على أنه «ليس من الرجولة ولا من الإسلام في شيء التعدي على السيدات والفتيات بالضرب، وليس من النخوة محاولة تبرير ذلك». واستنكر الناطق باسم حزب «النور» السلفي نادر بكار العنف تجاه المحتجين وصفع فتاة على وجهها. وقال في تدوينة عبر حسابه على موقع «تويتر»: «لا أجد مسوغاً واحداً لصفع فتاة على وجهها في هذا الشكل المخزي الذي شاهدناه... لا داعي لمخالفة أبسط قواعد الشرع والنخوة أياً كانت درجة الاستفزاز».