هذا السؤال المهم هو العنوان لكتاب نشرته «دار جداول» أخيراً. الكتاب لباحثين أميركيين، هما زولتان باراني وروبرت موزر وكلاهما بمرتبة بروفيسور في جامعة تكساس، ونقله إلى العربية جمال عبدالرحيم، وقدّم له الإعلامي والكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد. في هذا الكتاب يسهم مجموعة من الأكاديميين السياسيين في البحث والتحليل بغية الإجابة عن السؤال بلغة واضحة عبر عشرة فصول وخاتمة تحليلية ثمينة، في ظل تأكيد أن السعي لتصدير الديموقراطية بالقوة العسكرية يعرّضها للخطر. لا شك في أن السؤال حول قابلية الديموقراطية للتصدير شائك، في مقابل السؤال عن تسويق، أو تعزيز الديموقراطية عبر الأخلاقيات والمساعدات. هناك صعوبات لا يمكن تجاوزها في محاولة تصدير الديموقراطية بالقوة، لكون من مبادئها حق الاختيار ووعي الشعوب بحقوقها وشراكتها ومسؤوليتها الوطنية، قبل الحديث عن أي شيء آخر. عندما أهداني هذا الكتاب الصديق محمد السيف، شكرته مرة، لكن بعد أن قرأته، وجدت أنه يستحق الشكر مرات. يرى عبدالرحمن الراشد في تقديمه للكتاب، أن الديموقراطية تبدو كلمة ذهبية ساحرة للكثيرين، ربما من دون إدراك أنها ليست حلاً سحرياً لكل المشكلات، بل وصفة معقدة لها متطلبات عدة، وأحياناً متناقضة. وشاع الكثير من التبسيط عند الحديث عن «الحل الديموقراطي» كعلاج لأمراض الدول الشمولية في المنطقة، إذ قد يؤدي إلى صدمة سياسية وخيبة اجتماعية مدمرة في بدايات الاختبار، لافتاً إلى أنه من دون ثقافة واعية لمعاني الديموقراطية، فإن إخفاقها يكون حتمياً! وفي إشارة مهمة، يشدّد الراشد على أنه أصبح على القادة، لا المواطنين وحسب، البحث في حلول تؤمِّن للناس تطلعاتهم، وتشركهم في المسؤولية، وتضمن استمرارية نظام الحكم، بحيث يقوم على مؤسسات لا أفراد، بنظام يستوعب الجميع على اختلاف منابتهم ومذاهبهم. لا يبدو الكتاب مهماً من ناحية التساؤلات والإجابات فقط، بل من ناحية التحليلات الرصينة. يذهب الكتاب إلى أن العقود الثلاثة الأخيرة تميّزت بموجة «دمقرطة» في النظام الدولي. ومن بين أهم التحديات التي تواجه صناع السياسة الغربية، أن مخاطر «الدمقرطة» حادة، خصوصاً عندما لا تتسلسل التحولات بصورة مناسبة. لذلك فإن عدم التسلسل يؤدي إلى خطر الإخفاق في توطيد الديموقراطية، وإشعال الحروب، خصوصاً عندما تكون المؤسسات السياسية للدولة ضعيفة، ولا سيّما في بداية التحول من الأوتوقراطية إلى نظام ديموقراطي جزئياً، وعندما تهدّد «الدمقرطة» النخب في البلاد. ربما هذا التحليل هو الأقرب لما حصل في الجمهوريات العربية التي نادت بحكم الجماهير ثم مارست حكوماتها السلطوية والقمع. تثير الحرب على العراق المشكلات الحالية لنموذج تصدير الديموقراطية، ويشير مارك بلاتنر (هذا الكتاب)، إلى أن محاولات إنشاء الديموقراطية عبر الاحتلال كانت حالات نادرة جداً، من دون تجاوز أن التجربة العراقية لطّخت أنواعاً مختلفة جداً من مبادرات التصدير، فضلاً عما فعلته المبادرة المتعددة الجنسيات ذات المشكلات العميقة في أفغانستان. وعلى رغم أن الديموقراطية غير قابلة للتصدير، إلا أن فرص نجاحها في أي بلد قد تسهم فيها دول أخرى (أو إعاقتها)، لذا فمن المنطقي التمييز بين مصطلحات ثلاثة، غالباً ما تستخدم بشكل متداخل، ولكنها ستستخدم على الأقل للدلالة على مشاريع متفرقة: (1) «تصدير الديموقراطية»، وهو يعني نقل نظام ما بالكامل، (2) تعزيز الديموقراطية، وهو يعني مشروعاً تصورياً لقبوله الديموقراطية كأفضل شكل من أشكال الحكومة، (3) المساعدات الديموقراطية، وتعني دعم مختلف المؤسسات والسلوكيات المترابطة، التي يعتقد أن الديموقراطيات الناشئة في حاجة إليها. تتطلب المؤسسات في كل دولة تعاوناً طوعياً من دون فرض القرار بالقوة حتى في ظروف سلطة لا مثيل لها، (بحسب الكتاب) تتضح في يابان ما بعد الحرب العالمية الثانية هذه النقطة، فحتى في أراضٍ محتلة دمرتها القنابل الذرية، وقادها قائد أعلى تمتع بصلاحيات وسلطات لا يمكن التفكير بها في أيامنا هذه، مارست مؤسسات محلية مقاومة عنيدة. وقد صيغ دستور البلاد المدمرة في ستة أيام على يد فريق من الأميركان جمعوا في قاعة رقص في طوكيو، ولكن القائد الأعلى الذي أمر بهذه المبادرة، أدرك أن الوثيقة لا بد أن تعرض على الشعب من الإمبراطور هيروهيتو، و «كانت مقبولة، لأنها أبقت على العرش في عظمته». لذلك يرى باراني أن المشاركة الأجنبية ينبغي أن تصاغ بعناية وفقاً للظروف المحلية وإلا كانت «عديمة الجدوى»! ويتضح الكثير من التأثيرات بصورة أكبر بالعديد من الانتخابات الكارثية التي أجريت عقب ضغوط أجنبية للإسراع بالدمقرطة. فالانتخابات السريعة المفروضة «من الأجانب الذين لا يعرفون الأوضاع المحلية» (تشيروت في هذا الكتاب)، غالباً ما تكون شرارة تشعل صراعات طويلة الأمد. وتذكّرنا المقالات في هذا الكتاب أن الانتخابات التي أجريت بتفويض دولي في بوروندي أدت إلى وفاة 200 ألف شخص عام 1993، وأن الاستفتاء الذي أجري برعاية دولية في تيمور الشرقية تسبب في عمليات قتل وتشريد واسعة عام 1999. وبحسب ما جاء في الكتاب يبدو أن تصدير الديموقراطية أمر صعب، إلا أن انتشار الديموقراطية فكرة رائعة، بعد أن لاقت المساعدات الديموقراطية بعض النجاح. [email protected] twitter | @JameelTheyabi