قال مصدر سياسي لبناني بارز ل«الحياة» إن إلحاح النظام السوري على التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، في محاربة الإرهاب، وبين الحكومتين في شأن موضوع النازحين السوريين، لم يلقَ تجاوباً حتى الآن من السلطة السياسية والحكومة نظراً إلى أن أهداف هذا الإلحاح تشي بأمور تهدف إلى توريط لبنان في الكثير من الأمور التي هو بغنى عنها. ورأى المصدر أن من أهداف هذا الإلحاح السوري منذ زهاء الشهرين، وإصرار قادة قوى 8 آذار في مطالبة رئيس الحكومة تمام سلام به، أن يكون لبنان وسيلة للحصول على اعتراف لبناني بشرعية النظام، مقابل العزلة العربية والدولية التي تحيط به منذ أكثر من 3 سنوات، وإخراج لبنان من سياسة النأي بالنفس التي سلكها منذ بداية الأزمة السورية. وسأل المصدر: «كيف يمكن أن يعيد لبنان التواصل على المستوى الحكومي مع النظام في وقت ما زال موقف الجامعة العربية على ما هو عليه ضد هذا النظام حين علقت عضويته في الجامعة؟». ويضيف المصدر: «العلاقة مع النظام موضوع خلافي داخلي، فلماذا إثارة هذا الأمر بإلحاح إذا لم يكن يراد منه زيادة الخلافات الداخلية، في وقت حسم التحالف الدولي أيضاً موقفه برفض إعادة تأهيل النظام عبر إشراكه في الحرب على الإرهاب. فهل يراد وضع لبنان البلد الضعيف بسبب أزمته الداخلية في موقع صدامي مع هذا التحالف العريض الذي يحرص على علاقة متواصلة مع دوله التي تدعم الاستقرار فيه، وتسعى إلى تحييده وتؤيد سياسة النأي بالنفس التي جدد المجتمع الدولي التشديد عليها خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية في نيويورك الذي حضره سلام في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي؟». ويؤكد المصدر أنه لا يمكن لبنان أن يقدم على خطوة قد يكون لها رد فعل سلبي من دول تدعمه وتساند جيشه ليصبح قادراً على مواجهة الإرهاب. موضوع خلافي وإذ يشير المصدر إلى ما تسبب به اجتماع وزير الخارجية جبران باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك من ردود فعل خلافية في لبنان ومن انتقاد رئيس الحكومة لهذا الاجتماع، على رغم التبريرات والشروحات التي قدمها باسيل، فإنه يرى أن التجاوب مع ما يريده النظام السوري في هذا المجال يراد منه أن يعاكس لبنان سياسات عشرات الدول حيال النظام وتحمّل ارتدادات ذلك عليه. ويقول المصدر إن التنسيق على المستوى السياسي هدفه إلحاق لبنان الرسمي بسياسة فريق معين، بالأزمة السورية وتغطية تدخل «حزب الله» في الحرب السورية بدليل ما طرحه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه قبل الأخير قبل أسابيع حين تهكم على سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان الرسمي، معتبراً أنه بإجماع اللبنانيين على مواجهة الإرهاب، الجميع انضموا إلى قرار الحزب التدخل في سورية لاستباق وصول هذا الإرهاب إلى لبنان، في وقت ما زال فريق رئيسي يعتبر أن تورط الحزب في القتال في سورية كان أحد العوامل الأساسية لاستجلاب هذا الإرهاب إلى الأرض اللبنانية، بالتالي ما زالت قوى 14 آذار تصر على انسحاب الحزب من هذا المستنقع، وإقفال الحدود على من ينتقل إلى سورية ومن يدخل الأراضي اللبنانية من المسلحين في الجانبين. ويصر الرئيس سلام على تجاهل كل الرسائل التي تصل إليه في هذا الصدد مدعوماً من قوى سياسية عدة في الحكومة، هذا فضلاً عن أن دولاً حليفة للنظام نقلت إلحاح القيادة السورية إليه. وهو إلحاح سمعه أيضاً في دمشق الموفد الدولي ستيفان دو ميستورا حين زارها في 9 أيلول الماضي، ونقل ما سمعه إلى الجانب اللبناني، هذا فضلاً عن أن الجانب السوري طلب من دول عربية تحتفظ ببعثات ديبلوماسية في دمشق، أن تنقل الطلب إلى بيروت، ومنها إلى الجانب المصري. التواصل الأمني قائم وإضافة إلى المحاذير السياسية، فإن المصدر نفسه يتحدث عن المحاذير على الصعيد الأمني، مشيراً إلى تأكيد غير وزير أو مرجع رسمي، أن التنسيق قائم على المستوى الأمني، حيث التواصل مستمر بين الجانبين، وإلى أن التواصل يحصل بين المسؤولين الأمنيين على قدم وساق وأكثر من مرة في اليوم الواحد، وإلى استمراره في إطار ما يسمى مكتب التنسيق بين الجيشين لمعالجة مشاكل تنشأ على الحدود. لكن الجانب السوري يريد الارتقاء بهذا التنسيق إلى المستوى الوزاري. وهذا له محاذيره لأنه يشي بالإصرار على قرار سياسي للتعاون بين الجيشين في المعارك الجارية على الحدود. وهذا ما كشفته معركة عرسال التي حصلت في 2 آب (أغسطس) الماضي. والريبة ازدادت في الإلحاح على التنسيق بالتزامن مع هذه المعركة وبعدها، «لأن الجانب السوري وحلفاءه يطمحون إلى توريط الجيش اللبناني في ما يسمى معركة القلمون السورية المحاذية لحدود عرسال الجغرافية». ويضيف المصدر: «ازدادت الريبة بعد الهجوم الإعلامي على قيادة الجيش لأنها لم تعط الاوامر باقتحام عرسال لملاحقة المسلحين الذين اقتحموها في 2 آب، ولم تقصفهم بقوة وهم في داخلها، لتجنب إصابة المدنيين، وقبلت عوضاً عن ذلك بالوساطات التي أدت إلى انسحابهم». ويقول المصدر: «هناك فرق بين أن يدافع الجيش عن منطقة عرسال وجوارها منعاً لدخول المسلحين إلى أرض لبنانية، وبين أن يكون الجيش الطرف الثالث في معركة القلمون إلى جانب الجيش السوري و«حزب الله»، وعندها لا يكون يكتفي بمحاربة الإرهاب، بل سيكون شريكاً في محاربة تشكيلات المعارضة الأخرى من «الجيش السوري الحر» وغيره من التشكيلات، لأنه يراد له أن يطبق على المسلحين في الجرود بالتزامن مع إطباق الجيش السوري وقوات الحزب من الجهة الشرقية في القلمون، بينما سياسة الحكومة عزل لبنان وحدوده عن المعارك الدائرة في الأراضي السورية. وإذ يقر المصدر بالأخطار من توريط الجيش اللبناني في حرب القلمون إذا تجددت على نطاق واسع، فإنه يلفت إلى أن نقاشاً ضيقاً حصل في بعض الدوائر الرسمية اللبنانية لاحتمال اندفاع الجيش من أجل الهجوم على المسلحين في بعض مواقعهم الجردية بحجة تحرير العسكريين المخطوفين، وأنه جرى التوقف عند المحاذير العسكرية - السياسية لهذا الأمر، فالاعتقاد الغالب أن هذا الاندفاع العسكري اللبناني نحو منطقة أعلى من مناطق تمركز الجيش في عرسال، سيجعل المعركة صعبة عليه مقابل تمتع المسلحين بالصمود في مواقع محصنة من مغاور وأنفاق وما شابه. ويضيف المصدر: «إذا حالت إمكانات الجيش الهجومية، (والمختلفة عن قدراته الدفاعية الأكثر فعالية) دون نجاح اندفاعته فإنه سيتورط في معركة تقود إلى طلبه المساعدة من الجيش السوري وقوات «حزب الله»، وهذا سيضع الجيش في موقف حرج، إذ يجعل من القوات السورية وقوات الحزب «الجهة الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب»، في مقابل ضعف القدرات الهجومية للجيش وهذا له انعكاسات سلبية على دور الجيش في حفظ الأمن في البلد عموماً، ويقود إلى تكريس الحجة القائلة إن الجيش غير قادر رغم المراهنات عليه، وأن لا بد من بقاء قوات الحزب في سورية وعلى الحدود». ويخلص المصدر إلى القول إن من ساقوا هذه الحجة في الحديث عن سلبية توريط الجيش في معركة القلمون، يضيفون إليها تحذيراً آخر له بعد سياسي هو أن هذا التوريط سيترك انعكاسات مذهبية في منطقة البقاع لا يمكن معرفة دينامية تطورها.