تنطلق مساء اليوم فعاليات الدورة الثامنة من معرض الرياض الدولي للكتاب، بمشاركة أكثر من 900 دار نشر سعودية وعربية وأجنبية، وبحضور عدد كبير من المثقفين والإعلاميين السعوديين والعرب. ويحفل البرنامج الثقافي للمعرض، على رغم الانتقادات التي وجهت إليه، بمواضيع وقضايا متنوعة. وحشد المغرب، ضيف شرف المعرض، فعاليات مميزة يشارك فيها نخبة من أبرز المثقفين المغاربة. إلى ذلك أكد وزير الثقافة المغربي محمد صبيحي أنه ما من سياسة مستنيرة من دون رؤية ثقافية تسندها، وما من ثقافة فعالة من دون هاجس سياسي بالمعنى العميق، داعياً السياسي والمثقف إلى أن يدركا أنهما شريكان في تدبير القضايا العامة، وأن يعمل كل منهما بمقتضى هذه الشراكة، وأن يحرص كل منهما على الحوار مع الآخر وعدم تهميش رأيه. واعتبر صبيحي في حوار مع «الحياة» إن اختيار المغرب ضيف شرف معرض الرياض للكتاب، تكريم يعتزون به، مسجلاً إياه في السياق النموذجي للعلاقات الراسخة بين البلدين. وأوضح أن الأسئلة الملحة، التي صاغتها الحركات الاحتجاجية للربيع العربي لم يتم توجيهها فقط إلى كل من السياسة والاقتصاد وما بينهما، بل وجهت أيضاً إلى الثقافة كتدبير للهوية والذاكرة والرؤية والحق في المعرفة. إلى نص الحوار: يحل المغرب ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يعد من المعارض الكبرى، من ناحية القوة الشرائية، ما لم يكن أكبرها، ماذا تعني لكم هذه المناسبة؟ - هذا تكريم نعتز به، ونتوجه بالشكر والامتنان عليه إلى أشقائنا السعوديين وفي مقدمهم وزير الثقافة والإعلام، ونسجله في السياق النموذجي للعلاقات الأخوية التاريخية الراسخة بين قيادتينا وحكومتينا وشعبينا وفي سياق الحوار الثقافي المتواصل والمتجدد بيننا. الأواصر الثقافية والعلاقات بين البلدين، هل تراها في مستوى رفيع، بحيث يمكن البناء عليها دوماً؟ - إلى جانب العلاقات السياسية والاقتصادية المميزة، نعتبر أن الأواصر الثقافية بين المغرب والسعودية رفيعة هي الأخرى، وهي في نظرنا مرتكز أساسي لتوطيد الانسجام في الرؤية وفي تقوية دعائم التعاون العربي- العربي الذي ينبغي للثقافة أن تكون أحد مكوناته المحركة. في المغرب تحضر أسماء ثقافية من السعودية، وكذلك تحضر أسماء مغربية كثيرة في الذاكرة السعودية، ألا تعتقد أن مثقفي البلدين في حاجة دائماً لأن يلتقوا كثيرا، لتعزيز العلاقات الثقافية؟ - من حسنات المعارض الدولية للكتاب أنها تتيح إمكان اللقاء المباشر بين المثقفين الوافدين عليها من جغرافيات متباعدة. وإذا كان معرض الرياض بمكانته المحترمة بين معارض الكتاب الدولية سيتيح في دورته هذه فرصة الحوار الحي بين الأسماء المغربية المشاركة وعموم المثقفين والإعلاميين والقراء السعوديين، فإن وشائج الاتصال واللقاء بين المثقفين المغاربة والسعوديين وقرائهما في كلا البلدين متواصلة باستمرار من خلال الإصدارات الورقية منها والإلكترونية، وبفضل هذه المتابعة المتبادلة، ترسخت كما أشرتم العديد من أسماء المفكرين والمبدعين من كل بلد في أذهان قراء البلد الآخر. وسعدنا في العام الماضي بالحضور الناجح للفعاليات الثقافية السعودية التي كانت ضيف شرف الدورة السابقة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء. كيف ترون العلاقات الثقافية بين السعودية والمغرب؟ - ما من شك في أن علاقاتنا الثقافية، المنسجمة مع المستوى الأخوي التاريخي للعلاقات السياسية والاقتصادية، مدعوة إلى مزيد من التعميق والتوطيد من خلال برامج التعاون الثقافي القائم بين البلدين بما يوسع تبادل الخبرات الثقافية التي يمتلكانها ويطورانها في مختلف المجالات المرتبطة بالكتاب والفنون والتراث، وكذا على مستوى إقامة الأسابيع الثقافية المتبادلة واستضافة الخبراء والمبدعين والمفكرين، واستكشاف الإمكانات المتاحة للنشر المشترك، وصياغة شراكات مدروسة لتطوير شبكات القراءة العمومية. ومن شأن الاتفاق الذي سنبرمه قريباً مع المركز الثقافي السعودي أن يصب في هذا الاتجاه الترسيخي للتعاون الثقافي بين البلدين الشقيقين من خلال ما سنبلوره وننفذه في إطارها من برامج مشتركة ستزيد لا محالة توطيد التبادل الثقافي المغربي السعودي. كيف ترى المشهد الثقافي العربي بعد الثورات العربية، هل من تغيّر؟ - إن الأسئلة الملحة، وغير القابلة للتأجيل، التي صاغتها الحركات الاحتجاجية للربيع العربي لم يتم توجيهها فقط إلى كل من السياسة والاقتصاد وما بينهما، بل وجهت أيضا إلى الثقافة كتدبير للهوية والذاكرة والرؤية والحق في المعرفة. ومن المؤكد أنه ستكون لهذه الرجة المفصلية آثارها على المثقفين وعلى المشهد الثقافي العربي عموماً من حيث تدقيق قراءة المجتمعات ومراجعة أدوات تحليلها والانخراط في أفق انتظارها. في ما يبدو أن قضية المراكز والهوامش ما تزال قائمة، ولعل المثقف المغربي، وهو من المثقفين النابهين في العالم العربي، ما يزال يعاني من هذه القضية، كيف ترى هذه القضية، أليس من أمل في تتغير هذه التراتيبية؟ - ثمة تطور عميق في وعي المثقف المغربي بمبدأ القرب الثقافي، مما خلخل وقلل الفوارق الثقافية بين المركز والأطراف، وبمناسبة حديثنا عن معرض الكتاب، والمناسبة شرط كما يقال، ننظم في المغرب، إضافة إلى المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، 16 معرضاً جهوياً للكتاب تتوزع على مدار العام، وتقام في مختلف الأقاليم، ويشارك فيها علاوة على الناشرين عديد من المثقفين، هذا فضلاً عن الندوات والملتقيات الثقافية التي تنظمها في كثير من المدن البعيدة جمعيات المجتمع المدني التي نعتبرها شريكة للوزارة في التنمية الثقافية. ما هي الأسئلة الأكثر إلحاحاً اليوم على الثقافة في المغرب؟ - لعل من الأسئلة ذات الوقع الاجتماعي البعيد المدى تعميق الوعي الهوياتي بالجذور التاريخية والامتدادات الحضارية مع الانفتاح الرصين والنقدي على الثقافات، والإسهام في بناء شخصية معرفية تملك إجابات ومبادرات تجاه أسئلة الحاضر الفوري، ومن أجل ذلك، وهذا هو أكثر الأمور إلحاحاً، ويتوجب التحفيز على القراءة وتعبئة جميع الشركاء العموميين والخواص لخلق قارئ محترف ومداوم مع مراعاة قدرته الشرائية عند إنتاج الكتاب. إذا نظرنا إلى الثقافة العربية في شكل عام، ماذا تواجه من تحديات؟ - هي عموماً تحديات الملاءمة بين تجذير الذاكرة الثقافية والهوية الحضارية من جهة والمتغيرات الحياتية المتسارعة في عالم اليوم، كتدبير العلاقة مع التقنيات، ومع ثقافة الصورة المهيمنة، وكذا تدبير العلاقة بالآخر، والمراجعة الإيجابية والمتجددة للعلاقة بالذات. في رأيك، هل المثقف العربي ما يزال يعاني التهميش، ورأيه ليس بذات أهمية في مقابل السياسي؟ - بما أنه ما من سياسة مستنيرة من دون رؤية ثقافية تسندها، وما من ثقافة فعالة من دون هاجس سياسي بالمعنى العميق، فإن على كل من السياسي والمثقف أن يدركا أنهما شريكان في تدبير القضايا العامة وأن يعمل كل منهما بمقتضى هذه الشراكة، وأن يحرص كل منهما على «دمقرطة» الحوار مع الآخر وعدم تهميش رأيه أو إقصاء مبادراته متى كانت بناءة، بخاصة منهما السياسي حين يكون في موقع القرار الذي يستدعي المشورة والاستنارة برأي المثقف. ولا شك في أن التحولات الكبيرة التي يشهدها عالم اليوم، ومن ضمنه عالمنا العربي والإسلامي، تعزز التوجه إلى إعمال مبدأ الحكامة كآلية تقتضي إشراك جميع الفاعلين في تدبير قضايا المجتمع وانتظاراته على قاعدة المواطنة التي لا تتجزأ. كيف ترى العلاقة بين المثقف والسلطة، هل ما تزال شائكة، على رغم عدم استغناء الطرفين عن بعضهما؟ - كلاهما، رجل السلطة والمثقف، يلتقيان في مفهوم المواطنة الذي يلزمهما معاً، ليس بإبقاء باب الحوار مفتوحاً بينهما وحسب، بل أيضاً بالتحلي بشجاعة الإصغاء لبعضهما البعض في القضايا الجوهرية. ما الذي تحتاجه الثقافة في السعودية لتكون فاعلة و مؤثرة في محيطها؟ - للمملكة العربية السعودية الشقيقة كل المقدرات والكفاءات الكفيلة بترسيخ وتوسيع إضافتها وإسهامها النوعيين سواء في محيطها العربي الإسلامي أم على المستوى الدولي. في العام الماضي كانت السعودية ضيف شرف معرض الدارالبيضاء، وخلفت المشاركة السعودية أصداء طيبة، ألا ترون أن هذا المعطى يشكل تكليفاً إضافياً لكم للسير على النهج نفسه؟ - لقد تشرفنا في العام الماضي باستقبال السعودية الشقيقة كضيف شرف في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، وكان حضورها مميزاً وخلّف صدى طيباً لدى المثقفين المغاربة وزوار المعرض. ونحن سعداء بدعوتها الكريمة للمغرب كي يحل ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب، وكلا الحدثين يصبان في غاية أساسية مشتركة بيننا، وهي تكريس الحوار الثقافي باعتباره أحد المرتكزات المتينة للتناغم التاريخي بين المملكتين الشقيقتين، وباعتباره أيضاً من روافد التبادل الثقافي العربي. كيف تقوّم الدور الإعلامي في التعريف بالثقافة المغربية للسعوديين والعكس في تعريف المغاربة بالثقافة السعودية؟ - على رغم الجهود المحمودة التي يقوم بها الإعلام الثقافي، ومن ضمنه صحيفة «الحياة»، لتقريب الشقة بين الثقافتين المغربية والسعودية، ثمة كثير من الجهد لا يزال ينتظر الإعلام بكل مكوناته المرئية والمسموعة والمقروءة لمواكبة الحيوية المشهودة للثقافة العربية عموماً، ولكلتا الثقافتين المغربية والسعودية والتعريف بهما وبأهمية القضايا والأسئلة والإسهامات التي تقدمانها لإثراء الثقافة العربية والعالمية.