المرأة السعودية.. دور محوري في التنمية والتغيير    الحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة تواصل استقبال التبرعات    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تحصل على شهادة الريادة الذهبية في تصميم الطاقة والبيئة النظيفة LEED    الذهب يفقد مستوياته القياسية المرتفعة مع إعفاء صناعة السيارات من الرسوم الجمركية    ثلاثة شهداء في قصف إسرائيلي شرقي رفح.. ومنع إدخال المساعدات لغزة مستمر    زيلينسكي يدعو إلى تشديد العقوبات على روسيا    سباق أشباه الموصلات    التعاون يعبر ضمك بثلاثية    التعاون يكرم ضمك بثلاثية    14 لاعباً يمثلون أخضر الشاطئية في تايلاند    سارة بنت خالد ترعى حفل السحور السنوي ل"إنسان"    370 كشافاً يقدمون خدمات إنسانية لزوار المسجد النبوي    عبدالله العثمان في ذمة الله    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    "مشروع الأمير محمد بن سلمان" يجدد مسجد الدويد بالحدود الشمالية    «رواشين» التوسعة.. لمسة تراث وتخليد تاريخ    تقنيات عالية لأنظمة الصوت بالحرم المكي    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    حملة "صم بصحة" تسجل ملياري خطوة    الصيام الإلكتروني    %59 من السعوديين لا يمارسون الأنشطة الثقافية.. وجازان تتصدر    براءة اختراع لكشف سوسة النخيل    فلسفة الطير: حكمة العلوّ ورؤية ما لا يُرى    حين تربي طفلك فأنت تصنع مجتمعا    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لأمن وطمأنينة قاصدي الحرم النبوي    المرأة ومأزق المربع الأول    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    "حارة الأحمدي" تقيم أطول مائدة رمضانية في جازان من صنيع الأمهات    أمير نجران يقلد الشمري رتبته    نائب أمير حائل يستقبل العياد    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    الخليج مفسد أفراح الكبار    الفتح يعاود تدريباته و "دجانيني" يواصل برنامجه العلاجي    موقف لودي من مواجهة الهلال وباختاكور    التورنيدو ملك الهدايا بلمسات سحرية    تبرعات إحسان تتجاوز 700 مليون ريال في نسختها الخامسة    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    Pressreader: السعودية الخيار الجذاب للدبلوماسية العالمية    رونالدو يُعلق على تعادل النصر مع الشباب    Google تعزز حماية هواتف بكسل    أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    كيف تنجح الدراما المستقاة من رواية؟    صناعة المدير الجنرال    أمين الشرقية يدشن انطلاق مهرجان "أيام سوق الحب 5" بالدمام    "جنى" ذات ال (17) ربيعاً في خدمة المعتمرين والمصلين والصوام    تدريب لهيئة الهلال الأحمر السعودي في مول الباحة ضمن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية    بلدية محافظة رياض الخبراء تزين شوارعها تزامنًا مع الشهر الفضيل        مساجد بيش تواصل تنفيذ مبادراتها التطوعية والإنسانية بمساجد المحافظة    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    9500 معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال بينهم 350 طفلًا    









يمن 1962 ويمن 2014
نشر في الحياة يوم 01 - 10 - 2014

اليمن بلد التسويات والوسطية، انتشر فيه منذ نهاية القرن الهجري الثالث المذهب الزيدي الذي أخذ موقفاً وسطياً بين السنّة والشيعة. أقام الزيديون حكمهم من صعدة منذ عام 298 هجرية حتى 26 ايلول (سبتمبر) 1962. اقترب زيديون من السنّة بعيداً عن الوسطية مثل ابن الوزير اليمني (ت 1436 ميلادية) المتأثر بابن تيمية وآراءه حول الابتعاد عن المذهبية. في17 شباط (فبراير) 1948قامت «حركة الأحرار» تحت اشراف حسن البنا، زعيم حركة الاخوان المسلمين، بانقلابها على إمام الزيدية يحيى آل حميد الدين في صنعاء وبايعت آخر من آل الوزير بدلاً منه قبل أن تفشل الحركة بعد أربعة أسابيع، وقد شارك في الحركة زيديون آخرون مثل آل الأحمر زعماء قبائل حاشد، الذين اختلفوا مع الإمام يحيى منذ صلحه مع العثمانيين عام 1908. بعد الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين إثر الإطاحة بحكم الأئمة الزيديين في 26 ايلول 1962 اتجه المعتدلون الجمهوريون للتخلص من متشدديهم مثل عبدالله السلال الذي اطيح بحكمه في 5 تشرين الثاني1967إثر هزيمة عبدالناصر في حرب حزيران. ولما قرأ متشددو الملكيين ضعفاً في ذلك وحاصروا صنعاء كان فشلهم مدخلاً لمصالحة جدة في آذار 1970 بين معتدلي الجمهوريين ومعتدلي الملكيين مع استبعاد المتطرفين من الطرفين، وقد ظللت مصالحة جدة المناخ اليمني السياسي لثلاثة عقود.
في عام 1994 ذهب فقيه زيدي إلى طهران، هو بدرالدين الحوثي (مواليد 1926) مع ابنه الأكبر حسين. كان بدر الدين الحوثي أحد أحفاد أسرة من السادة من صعدة كانت قريبة من آل حميد الدين، وقد برزت هذه الأسرة في الفقه وتزعم أحد أفرادها الفقهاء الزيدية في عصره وهو المحسن بن أحمد الحوثي (ت 1295هجرية). شعر بدرالدين الحوثي بتهميش الزيدية التقليدية عقب «26 سبتمبر» ومصالحة جدة ووحدة 22 أيار (مايو1990) مع الجنوب السنّي الشافعي. تأثر الحوثي في ابتعاد عن وسطية الزيدية بأحد التلاميذ المتخاصمين مع الإمام زيد (ت 122هجرية) والمقترب من الإمام جعفر الصادق(ت148هجرية) والمتتلمذ عليه أيضاً، وهو(أبو جارود)، لما قال خلافاً لزيد بتكفير الصحابة لما بايعوا غير علي بن أبي طالب فيما كان الإمام زيد يقول ب «جواز إمامة المفضول». كان حسين الحوثي معجباً بالخميني. تبلورت الحركة الحوثية منذ النصف الثاني من التسعينات عبر اقتراب من التشيع الإثني عشري ولكن من دون مغادرة الزيدية تماماً ومع مغادرة وسطيتها. شجع الرئيس عبدالله صالح الحوثيين في فترة خصومته مع الرياض إثر تأييده لصدام حسين في غزوالكويت وفي فترة حاجته لحلفاء في مواجهة ذيول محاولة الجنوبيين الانفصال عام 1994.
بين عامي 2004 و2009 حصلت ست حروب بين الحوثيين وحكم الرئيس عبدالله صالح من دون حسم عسكري واضح ومن دون تسوية سياسية. كان التأييد الايراني واضحاً للحوثيين في الحروب الست، وقد نقل الزعيم السابق الماركسي للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض بندقيته من الكتف اليساري إلى اليميني مقتفياً في الألفية الجديدة أثر الحوثيين في التظلل بالظلال الايرانية. كان سقوط عبدالله صالح وخروجه من السلطة مبنياً على معادلة بين بعض بقايا نظامه ومنهم نائبه عبد ربه منصور هادي والضباط والإداريين وبين «التجمع اليمني للاصلاح» الذي كان صعوده كجماعة أصولية إخوانية مترافقاً مع صعود الاخوان المسلمين في القاهرة وتونس. كان هذا برضا أميركي وليس برضا الرياض ولو كانت المبادرة الخليجية عنواناً للتسوية اليمنية منذ ايار 2011 قبل أن يتولى الأميركيون ومجلس الأمن الملف اليمني وما أدى إليه الميل الأميركي إلى صعود الإخوان المسلمون للسلطة أو لاشراكهم فيها في طرابلس الغرب وصنعاء أو لتزعم المعارضة كما في «المجلس الوطني السوري» المعلن في اسطنبول عام2011.
لم تنجح التسوية اليمنية. أصبح الحوثيون وعلي سالم البيض وعلي عبدالله صالح أقوياء على إثر فشلها واصطدامها بالحائط، وأصبح الرئيس هادي والإخوان ضعفاء وفي مأزق كبير مع فشلها الذي ظهرت معالمه في مجرى عام2014. شكّل التخلي الأميركي عن الإخوان، وهو ما توضح بين صيفي2013و2014، وخصومة الرياض مع (الإخوان)، بيئة دولية - اقليمية لفشل التسوية اليمنية ساهم في مساعدة القوى الثلاثة المتضررة منها: الحوثيون، وأنصار الرئيس السابق عبدالله صالح، وانفصاليو الجنوب، على انزالها إلى القبر من خلال ما جرى في يوم 21 أيلول 2014 عندما انهار نظام الرئيس هادي وحلفائه في (الاصلاح) أمام تقدم المسلحين الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء مما اضطره مساء ذلك اليوم للتوقيع على (اتفاق السلم والشراكة) مع الحوثيين وقد وقعت معه باقي القوى ومنهم أصوليو (الاصلاح).
هناك رقعة شطرنج كبرى تمتد من حلب إلى عدن ومن بيروت إلى كابول، يلعب فيها أربعة لاعبون كبار: واشنطن، موسكو، طهران، الرياض، أنقرة اضعف منهم ولكنها في الملعب. ربما استفادت طهران من صنعاء21 أيلول لتعويض بعض ماخسرته يوم 10 حزيران في الموصل، ولكن الملفت عدم انزعاج الرياض مما حصل في صنعاء يومها، وهو ما يمكن تفسيره بسعي الرياض لاستكمال ما بدأته ضد الإخوان في القاهرة3 لما أيدت الفريق عبدالفتاح السيسي في حركته ضد الرئيس مرسي، ويبدو أنه كما حصل لشيوعيي حلف وارسو يحصل لأصوليي الحركة الإخوانية: الصعود معاً والسقوط معاً. رغم هذا، يبقى حدث 21 أيلول 2014 يمني الأبعاد أساساً، وهو رد على فقدان التوازن والوسطية في الحياة السياسية اليمنية منذ عام 1994 مما سمح لتنظيم سياسي عقائدي بعيد عن الوسطية اليمنية التقليدية باستغلال ابتعاد سلطة صنعاء عن الوسطية وعن روحية مصالحة آذار 1970 اليمنية من أجل الإنتقام في 21 أيلول 2014 من الذي حصل في 1962.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.