انعكس الوضع الأمن المتردي في شمال بابل (مئة كيلومتر جنوب بغداد) على التعليم، إذ يعزف الأهالي عن إرسال الفتيات والأطفال من أبناء القرى الريفية إلى المدارس نتيجة خوفهم على حياتهم من أن تطاولهم أيدي المسلحين الذين انتشروا مجدداً في ربوع المناطق الريفية في المدن مجدداً. وأوضحت مديرة الجمعية الإنسانية لحقوق الإنسان في بابل مها الخطيب أن «استطلاعات أجرتها الجمعية في مدن شمال بابل (جبلة والمسيب واليوسفية واللطيفية والمحمودية) أظهرت أن غالبية الفتيات في القرى الريفية عازفات عن مواصلة الدراسة بسبب الوضع الأمني المتردي». وقالت الخطيب في تصريح إلى «الحياة» إن «أهالي تلك المدن يتخوفون على بناتهم من الخطف أو القتل، ما يلحق العار في العائلة أثناء ذهابها إلى المدرسة أو العودة منها»، مشيرة إلى أن «المسلحين الذين ينتمون الى تيارات إسلامية متطرفة، يحرمون الفتاة من متابعة دراستها، ووزعت بيانات وافتاءات بذلك على الأهالي. ومن يخالف أوامرهم، يعرض حياته وحياة أسرته إلى الموت المحقق». ورأت الناشطة في حقوق المرأة هالة الزبيدي أن «المرأة الريفية شأنها شأن أي امرأة يقع عليها العبء الأكبر في اقتصاد الأسرة وبنائها، وتتحمل المسؤولية في غياب الأب والزوج». وأضافت الزبيدي في تصريح إلى «الحياة» أن «الآباء جعلوا من انعدام الأمن ذريعة لتسويغ الممانعة في إكمال دراسة الفتيات». وتابعت أن «بعد المدارس من قرية إلى أخرى، جعل الأمر أكثر تعقيداً». ولفتت الى تعرض الطالبات في مدن شمال بابل الى الاستهداف على أيدي مسلحين في اعتداءات راح ضحيتها عشرات الفتيات بين قتل وخطف. وقال النقيب في مركز شرطة المسيب ماهر الجنابي ل «الحياة» إن «سكان هذه المناطق ينتمون إلى العشائر العربية، ويستعيبون ذهاب بناتهم الى مدارس وهن في عمر الفتيات». وأضاف أن «ما زاد الأمر تعقيداً، تعرض كثير من الفتيات من طلاب المرحلتين المتوسطة والإعدادية في القرى والأرياف الى الاستهداف على أيدي مسلحين». وزاد: «لا يمكن إعطاء وعود بتوفير الأمن للطالبات. فهذا صعب جداً في الوقت الحاضر». وقالت السيدة طلبه كاظم (45 سنة) من سكان جبلة ل«الحياة» إن «بناتنا غالباً ما تجلسن في البيت بعد إكمال المدرسة الإبتدائية لأن لا فائدة من تعليمهم أموراً لن تخدمهن. ومن الأفضل أن تساعد الفتاة عائلتها في الزمن الصعب هذا». وقال المشرف التربوي مهند الشجيري إن السبب الحقيقي لعدم إكمال الفتاة في شمال بابل دراستها وبخاصة في الريف هو عدم توافر مدارس إبتدائية ومتوسطة وإعدادية كافية. وأضاف الشجيري ل«الحياة» أن «هذه المنطقة تمتاز ببعد المسافات من قرية الى أخرى. وحتى إن وجدت مدرسة متوسطة أو إعدادية فإنها تكون مختلطة. ولا مانع عندنا ولكن ليُفصل دوامها». وأضاف: «خاطبنا وزارة التربية من خلال مديرية تربية بابل ووعدونا. إلا أن الوضع الأمني الحالي لا يشجع مطلقاً على إكمال الفتيات للدراسة». وأشار إلى «كثرة عمليات الخطف والذبح وهروب رب الأسرة في أحيان كثيرة، فتضطر العائلة إلى أن تعمل بعدد إضافي. وتلجأ الى الفتيات للإفادة منهن في أعمال جمع المحصول ورعاية الماشية وغيرها». وكان الوضع الأمني ازداد تفاقماً خلال الآونة الأخيرة في مدن شمال بابل حيث وقعت عمليات قتل وخطف وتفجير وانتشرت جماعات مسلحة مجدداً في قرى وأرياف المناطق الشمالية لبابل. وذكر آمر فوج الطوارئ في الحلة المقدم مثنى المعموري ل«الحياة»: «ما إن نقوم بحملة أمنية مكثفة على تلك المدن، حتى يعاود المسلحون انتشارهم مجدداً في البساتين والقرى المجاورة». وقال إن قوات الأمن تنصح الأهالي بعدم إرسال بناتهم الى المدارس بسبب الخطر الماثل على حياتهن.