أمس خاضت حركة «حماس» معركة دامية مع نفسها، وان شئت مع فكرها، وشنت هجوماً ضد جماعة «جند أنصار الله» سقط فيه عشرات القتلى والجرحى، وقُتل فيه زعيم الجماعة عبد اللطيف موسى، الملقب ب «أبو النور المقدسي»، الذي كان يطالب بإقامة الحكم الديني في الأراضي الفلسطينية بدءاً برفح، ويعيب على الحركة محاورة الغرب. جماعة «جند أنصار الله»، ليست حركة جديدة، ولم تنبت فجأة، وهي أعلنت عن نفسها قبل فترة، بعد مقتل ثلاثة من أعضائها إثر هجوم على قاعدة إسرائيلية عبر الحدود، وبدأت الجماعة أخيراً تتحدث عن اضطهاد أعضائها من قبل حركة «حماس»، ومطاردتهم ومصادرة أسلحتهم، ورغم ذلك ظلت «حماس» تتجاهل وجودها، ما يشير الى ان الجماعة نشأت ونمت بموافقة بعض التيارات داخل حركة « حماس «. لكن تمادي أفراد الجماعة، ومزايدتهم على خط «حماس»، وسعيهم الى المشاركة في السلطة، وتغيّر مزاج الحركة تجاه الجماعة، أوصل العلاقة الى المواجهة. مواجهة الأمس بين «حماس» و «جند أنصار الله» تذكّرنا بتاريخ حركة «طالبان» في بدايتها. فهي أشاعت أجواء من التشدد غير الرشيد، وضيّقت على سلوك الناس، ورفعت شعارات سياسية بلافتات دينية وجهادية، وسهّلت التحاق الشباب المتحمس بصفوفها، وهو ما تفعله «حماس» في قطاع غزة. ومن يتابع الصحافة الفلسطينية، يشعر بأن تاريخ «طالبان» الاجتماعي والسياسي في أفغانستان يتكرر، عبر «حماس» في القطاع، ومثلما أنجبت «طالبان» تنظيم «القاعدة»، فان الحركة الفلسطينية في طريقها الى استنبات تنظيمات مشابهة، ومثلما ضيع تنظيم «القاعدة» الشعب الأفغاني، وجعل أفغانستان قاعدة «لتحرير العالم»، فان حركة «حماس» تعاود سيرة «طالبان» على نحو ينذر بمستقبل مظلم للشعب الفلسطيني. الأكيد ان نهج حركة «حماس» أوقعها في خطأ فادح، من حيث لا تدري، فهي تصدت لجماعة سلفية تسمي نفسها ب «جند أنصار الله»، وتتخذ من اسم الإمام ابن تيمية اسماً لمسجدها، وهذا يعني ان الحركة ستدخل مستقبلاً في مواجهة مع الجماعات السلفية التي ربما وجدت من يساعدها على النيل من «حماس»، وتسهيل دخولها الى القطاع، والنتيجة ان حركة «حماس» أصيبت بداء «الطلبنة»، وسيكون مؤسفاً ان تنتهي هذه الحركة بمواجهة مع نفسها وفكرها.