منذ بدأت علامات الانكماش الاقتصادي في العالم، والذي نتج منه تراجع الإعلانات والأرباح والعجز عن الاستمرارية، تحاول المؤسسات الإعلامية في العالم ان تضغط مصاريفها في شكل او آخر، كي لا تضطر الى الانهيار ووقف خدماتها نهائياً. ولم توفر الأزمة المالية العالمية الإعلام البريطاني الذي استنجد بآخر الحلول: الكي.المؤسسات الإعلامية البريطانية وجدت حلولاً أخرى تتجاوز مجرد إنهاء عقود العاملين فيها، لتمكين الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون من الاستمرارية. وبين الحلول المطروحة، الاندماج بين المؤسسات داخل المجموعة ذاتها، أو مشاركة أكثر من مؤسسة إعلامية في الخدمات اللوجستية. ولم تستبعد الحلول خفض الرواتب العالية لبعض كبار موظفيها، و «الذي لا بد من أن تتقبله الأكثرية بتفهم شديد في هذا الظرف، وإلا سيكونون أغبياء فعلاً»، على حد تعبير ناطق باسم «جي ام تي في» التلفزيونية. وكان شهر حزيران (يونيو) الماضي، شهد مجموعة من الاتفاقات في هذا السياق، إذ توصلت صحيفة «إيفننغ ستاندارد» المسائية الى حلول عملية لتقليص نفقاتها، أولها يتركز في اتفاق شراكة والآخر في اتفاق دمج. الصحيفة عقدت شراكة مع صحيفة «ذا نيويورك دايلي» الاميركية لتبادل المواد التحريرية في كل منهما، باعتبارهما تشتركان بكونهما تتوجهان إلى سكان مدينة كبيرة. الاولى تتوجه الى قراء العاصمة البريطانية، والثانية موجهة الى القراء في مدينة نيويورك. ولم يكشف النقاب عن التفاصيل العملية للاتفاق، الذي وصف بأنه «ينظم علاقات رسمية» بين المطبوعتين ويحتفظ لكل منهما بهويتها. وقررت المجموعة المالكة لصحيفة «ايفننغ ستاندارد» المسائية وصحيفة «لايت» المجانية، دمج مكاتب تحرير الأخبار في كلتا الصحيفتين، بهدف «تقليص نفقات النشر وليس لتغيير استراتيجية كل صحيفة». ودفع هذا القرار الى استقالة رئيس قسم الاخبار في «لايت» احتجاجاً على الدمج، خصوصاً ان الإشراف على القسم الجديد أوكل الى مسؤول الاخبار ونائبه في «ايفننغ ستاندرد». هذا النوع من الدمج شهدته مطبوعتا «دايلي تليغراف» والأسبوعية «صاندي تليغراف» قبل سنة، في مكاتب تحرير الاخبار والشؤون العلمية وبقية الأقسام. وتتباهي مجموعة «تليغراف ميديا غروب» بطاقمها الذي يمكن ان يخدم الصحيفتين إضافة الى موقعها على شبكة الانترنت. كذلك فعلت مجموعة «ترينيتي ميرور» في دمج جهاز التحرير في الصحيفتين التابعيتين لها في اسكوتلندا، وهما «دايلي ريكورد» و الاسبوعية «صانداي مايل»، مع تسريح 70 من الموظفين. وتوضح المجموعة ان التوفير سيكون لمصلحة دعم الصحيفتين بتكنولوجيا متقدمة تختصر العمليات الصحافية الى ثلاث خطوات بدلاً من خمس. للتلفزيون والاذاعة نصيب في أواخر نيسان (ابريل) الماضي، اجتمعت مجموعة من المشرفين على القنوات التلفزيونية والإذاعية البريطانية، ورؤساء تحرير وناشري الصحف القومية والمحلية، لمناقشة الحلول الممكنة لمساندة الصحف والمحطات المناطقية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. الاجتماع جرى برعاية وزير الثقافة البريطاني اندرو بيرنهام لمناقشة خطة غير مسبوقة من «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) لإشراك المؤسسات الإعلامية الأخرى بمصادرها اللوجستية والفنية، خصوصاُ المحلية منها. وكان الاجتماع بمثابة «خطة إنقاذ» للمؤسسات التي تعاني من انخفاض حاد في الإعلانات والموارد المالية التي تأتي منه. وبحسب هذا الاتفاق يمكن للمؤسسات الاقليمية الاستفادة من مقاطع الفيديو والمواد الإخبارية الخاصة بال «بي بي سي» لتضمينها في مواقعهم على شبكات الانترنت. هذا اضافة الى مجانية الدورات ومشاركة المحطات الإذاعية بالمادة الصوتية المتوافرة من المراسلين. العرض شمل أيضاً صحيفة يومية كبيرة، مثل «دايلي تليغراف». ويرى إعلاميون ان «بي بي سي» وُضعت تحت ضغط رسمي للتحرك باتجاه مساعدة غيرها ومساعدة نفسها في الوقت عينه، في مواجهة مطالبات، بعضها من المعارضة، لإشراك المؤسسات الأخرى في دخلها المتأتي من الضريبة التي تفرض على كل بيت في بريطانيا، لتمويلها ذاتياً وبقائها غير خاضعة للإعلانات التجارية. على هذا الاساس، شهد الشهر المنصرم اتفاق «بي بي سي» مع التلفزيون الاسكتلندي «اس تي في» وشبكة «آي تي في وان» التلفزيونية، للإشتراك بالمكاتب والاستوديوات وخدمات الصور والفيديو والمعدات التقنية، إضافة إلى أرشيف «بي بي سي» الضخم وبعض الأخبار الخاصة بالأقاليم البريطانية. ورحّبت «آي تي في وان» بالاتفاق الذي سيوفر لها 7 ملايين جنيه سنوياً بحلول عام2011، ويدعم صمودها في عالم البث التلفزيوني في العقد المقبل. أما الاتفاق مع محطة «آي تي في» فيشمل أيضاً الاشتراك ببعض «القصص التلفزيونية» الحصرية والمشاريع الإنتاجية. وقررت الهيئة المالكة لشبكة «آي تي في» التي تعد اكبر شبكة خدمات تلفزيونية تجارية في البلاد، وقف خدمة الأخبار على موقع الانترنت الخاص بها موقتاً، وإنهاء التعاقد مع الشركة التي كانت تنظم الأخبار ومقاطع الفيديو على الموقع، ويقال ان وقف الخدمة سيوفر لها 500 ألف جنيه تقريباً، وهو رقم لم تعلق عليه أية جهة في الهيئة. وأبلغت الجهة المتعاقدة على تقديم هذه الخدمة موظفيها الخمسة، إنهاء عقودهم المرتبطة أساساً بموقع الإنترنت الإخباري. لكن مصادر في الهيئة تقول ان الموقع الإخباري سيشبك حالياً بروابط فيديو مع البث التلفويوني لمدة شهرين تقريباً، حتى إعادة تأسيس القسم من داخل الهيئة. آخر الاخبار الصادرة عن شبكة «آي تي في» هي قرار المنتجين في خدمة «جي ام تي في» المتفرعة عنها، خفض أجور مذيعيها النجوم الذي يقدمون البرنامج الصباحي «غود مورنينغ» من السادسة حتى التاسعة والنصف، وذلك بنسبة 25 في المئة من الراتب، إضافة الى ضغط فترة الإجازات التي تصل في عقود بعضهم الى 12 أسبوعاً. وبذلك تسير «جي ام تي في» على خطى «بي بي سي» التي خفضت من رواتب كبار مذيعيها ومقدمي برامجها للتلاؤم مع الأوضاع الاقتصادية السائدة. ولم يعترض لين غودمان، أحد حكام برنامج «ستريكتلي كام دانسينغ» الذائع الصيت في البلاد، على القرار الأخير، «لأننا وسط أزمة ركود اقتصادي ويجب ان نتفهم الوضع». يذكر ان البرنامج الاستعراضي الذي يقدم على محطة «بي بي سي» منذ 10 سنوات ويجذب عدداً كبيراً من المشاهدين، يقوم أساساً على منافسة مشاهير النجوم في عالم الفنون والإعلام في مجال الاستعراض الراقص بمساعدة خبراء متخصصين. ويمكن القول ان التوصل إلى خطط توفر في النفقات بين اكثر من مؤسسة اعلامية كان بدأ في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما توصلت مؤسسة «أي ان ام» المالكة لصحيفتي «ذي اندبندت» و «اندبندت أون صاندي» الى اتفاق مع ناشري صحيفة التابلويد «دايلي مايل» لمشاركتهم المكاتب والمباني الخاصة بها في حي كنزنغتون وسط مدينة لندن، وكذلك كل ما له علاقة بالخدمات المتوافرة من انترنت وتكنولوجيا أخرى، في مقابل مساهمة مالية. على ان يستثمر المبنى في منطقة دوكلاند التجارية الذي تلتزم فيه بعقد إيجار حتى عام 2015، بإعادة تأجيره الى جهة أخرى. وسارع ناطق باسم مجموعة «أي ان ام» الى التأكيد على ان الأعمال التحريرية والتسويقية التجارية في كل منهما، ستبقى منفصلة. غير ان قرار مشاركة صحيفة أخرى في مقراتها، لم يمنع «اندبندنت» من تسريح تسعين من العاملين لديها، ثلثاهما من العاملين في التحرير. وتقول مصادر المجموعة ان هذه الحلول ستوفر لها 10 ملايين جنيه من مصاريفها سنويا،ً بعدما تراجعت المبيعات مع رفع سعر الصحيفة اليومية في ايلول (سبتمبر) الماضي.