رحم الله والدي، كم كان متعاطفاً مع منتخب عمان، كان يشفق عليه كثيراً، بخاصة عندما يواجه الكويت والعراق والسعودية. من شدة تعاطفه مع ذلك المنتخب المتواضع، كان يخصص وقته لمتابعته، مردداً دوماً على مسامع أصدقائه: «متى تفوز عمان؟»! كان لديه اعتقاد أن كرة القدم فيها رحمة، وعندما يسجل الفريق هدفين يجب أن يتراجع إلى الخلف ولا يسجل الثالث، لأنه ينافي طبيعة وفكرة البطولة. رحمه الله كان رحيماً وعطوفاً حتى في كرة القدم، الا في ما يخص نادي العين الإماراتي، هنا يتجاوز حدود التعصب، لدرجة أني لا أحب مناقشته في ما يخص النادي «البنفسجي». هكذا كان والدي يعتقد، كان يتمنى أن لا يخسر منتخب عمان بأكثر من هدفين، فهمت من أصدقائه بأنه يتقبل خسارة المنتخب العماني، لكنه يشعر بالحسرة، إذا مني بنتيجة ثقيلة. لذلك أتذكر سعادته بفوز عمان على قطر (2/1) في كأس الخليج التاسعة بالرياض، كانت المشاركة السابعة لعمان، بعد 35 مباراة في كؤوس الخليج، الفوز الوحيد منذ 1974 وحتى 1998. والدي لا يتابع الكرة العالمية، لكنه متابع مميز لكؤوس الخليج، مثلاً يسرد حكاياتها، يعرف رموزها ونجومها، كان يلهمنا الحماس عندما تبدأ كأس الخليج. في 1982 ذهب إلى أبوظبي مع أصدقائه لحضور مباريات البطولة السادسة، أهل مدينة العين يعلمون جيداً كم كانت المسافة طويلة منها إلى العاصمة أبوظبي، لا تقل عن ساعتين ونصف الساعة، لطول وضيق الشارع العام، بل كانت هناك مطبة في منتصف الطريق تقع في منطقة رماح، تلك المطبة تمني كل من يعبرها أن يدمرها. كعائلة افتقدنا لطعم هذه البطولة مع قلة متابعة والدي لها في ظل صراعه مع المرض، وكل منا أنشغل عنها بمشاغله، لعلي الوحيد الذي استمر بمتابعته نظراً لشغفي ومن ثم عملي، التلفزيونات في البيت لا تُذيع مباريات كأس الخليج، لا اهتمام بأخبارها ونجومها. لكن هي سنوات قليلة ويعيد إسماعيل مطر ورفاقه الحياة للبيت في 2007، والدي تفاعل بشدة مع الأبيض الإماراتي، وللمرة الأولى لا يتعاطف مع عمان، بل كان مستغرباً: «هذا منتخب عمان؟ أين أمان وغلام وناصر حمدان؟ ومن هؤلاء.. فوزي بشير وعايل والحوسني والحبسي؟»، تضايق والدي من خسارة الافتتاح أمام عمان، وتوتر في المباراة النهائية، وفرح بشدة لحظة التتويج، كنت سعيداً بحالته الصحية آنذاك. وفي 2009، لم يصدق والدي بأن عمان توجت بطلة للخليج، لأن ذلك يعد ضرباً من الخيال بالنسبة له، أتذكر يومها قال: «تتأهل عمان لكأس العالم ممكن، تفوز بكأس الخليج مستحيل!». تذكرت هذه الحكايات عندما قالت والدتي: (سمعت عبر إذاعة أبوظبي بأن كأس الخليج ستقام في البحرين... للمرة الأولى سنشاهدها من دون أبي صالح) تأثرنا بقولها وتناثرنا في البيت بحثاً عن أي شيء يشغلنا عن الذكرى الحزينة. تمنيت وجوده لأسباب أهم، لكن كأس الخليج كانت متعته وراحته، وهي ستبقى دائماً مصدراً لافتقادي له ولحكاياته... رحمك الله يا والدي.