حافلة نقل عام، مجمّع التحرير، وسيارات الأجرة التي لا تتوقف ليلاً ونهاراً، مفردات رئيسة ترسم ملامح العاصمة المصرية. هذه المدينة التي لا تتوقف الحياة فيها على مدار الساعة كانت التيمة المشتركة لعدد من الأعمال الفوتوغرافية التي عرضت أخيراً في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة. ويأتي العرض كنتاج لورشة عمل رعتها مؤسسة «سوا» استمرت أسبوعاً بإشراف جون بيركنز المصور البريطاني الذي عمل لسنوات في عدد من بلدان الشرق الأوسط، وكانت القاهرة محطته الأخيرة، يقيم فيها ويعمل كمراسل لصحف ومجلات أوروبية عدة. سبق لبيركنز أن عمل مصوراً في عمان ودمشق وبيروت وفي قطاع غزة إلا أن الصعوبات التي واجهته أثناء عمله في القاهرة تفوق الصعوبات التي واجهته في هذه المدن، فسكان القاهرة، كما يقول، يتوجسون من الكاميرا وينظرون إلى المصور نظرات ريبة. أما على المستوى الرسمي فهو يجد صعوبات كثيرة أيضاً في تصوير بعض الأماكن داخل القاهرة، حتى أنه في كثير من الأحيان يضطر إلى إخفاء الكاميرا حتى لا يلحظه أحد، وهو الأمر الذي يتطلب منه مجهوداً مضاعفاً لم يكن في حسبانه حين أتى إلى العاصمة المصرية للمرة الأولى. ويشارك بيركنز في المعرض بعمل فوتوغرافي واحد يجمع فيه عدداً من المشاهد المصورة لتلك الأماكن التي تمثل علامات مميزة في تاريخ المدينة الحديث كمقهى ريش ومحلات غروبي الشهيرة وغيرها من الأماكن التي تمثل روح المدينة والتي تقع غالبيتها في وسط القاهرة. كما يشارك أيضاً بعرض فيديو مدته ثلاث دقائق يستعرض فيه مشاهد مصورة لمبنى «مجمع التحرير» ذلك البناء الضخم الذي ينتصب في ميدان التحرير أشهر ميادين القاهرة، ويرى بيركنز أن البناء يحمل رمزية خاصة كونه يجمع الكثير من الإدارات المختلفة والخاصة بالحصول على تأشيرات السفر والإقامة للمصريين والأجانب على حد سواء، إذ لا بد للمصري المسافر إلى الخارج والأجنبي المقيم في القاهرة أن يمر على ذلك المبنى ذي الطابع البيروقراطي الذي يعد أحد أهم سمات القاهرة بحسب رأيه. واعتمدت فكرة المعرض وورشة العمل على أخذ مشاهد من قلب العاصمة المصرية، من دون التقيد بالشكل التقليدي للصورة الفوتوغرافية، فكما حول بيركنز المشاهد المصورة لمجمع التحرير إلى عرض فيديو على سبيل المثال، حاول إبراهيم سعد أحد المشاركين أن يتدخل بطريقته الخاصة في الرسم معتمداً على الخط لبناء عناصر جديدة وعلاقات معمارية مختلفة لمشاهد العشوائيات التي اعتمد عليها في أعماله المصورة، إذا كانت تتملكه الرغبة في تغيير المشهد إلى الأفضل ولم يجد أمامه، كما يقول، سوى هذه الطريقة لتحقيق رغبته تلك. وخلافاً لإبراهيم سعد اعتمدت نرفان طلحة على تقديم الوجه الآخر لقلب المدينة برصدها لأسطح المنازل والبنايات التي قد تبدو مختلفة للوهلة الأولى للعابر عما نراه في أطراف القاهرة. غير أن العشوائية، تنخر في عظامها هي الأخرى من الداخل كما يبدو من مشهد هذه الأسطح المكتظة بالنفايات والقريبة الشبه بتلك التي نراها في الأحياء الشعبية على رغم كونها تقع في قلب العاصمة، على حد قول طلحة. ويشير أمادو الفادني، أحد المسؤولين عن المعرض إلى أن هذه الورشة هي أحد نشاطات مؤسسة «سوا» المهتمة بالفنون البصرية والتي تحملت تكاليف التجهيزات وطبع الأفلام والتفاصيل المتعلقة بالمعرض وورشة العمل، اضافة الى توفيرها عدداً من الكاميرات لكي يستفيد منها المشاركون من المصريين والأجانب. وهي ليست المرة الأولى التي يقام فيها مثل هذا النشاط، فقد سبق أن نظمت المؤسسة عدداً من المعارض والورش المخصصة للفوتوغرافيا وذلك لتنامي الاهتمام بهذا الفن وتزايد الراغبين في خوض هذه التجربة.