عن مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة صدر كتاب جديد بعنوان «الاستشراق والقرون الوسطى»، للباحث جون م. غانم، ترجمة عبلة عودة. صُنف موضوع الاستشراق منذ أن تشكل في كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» تحت مظلة أكبر وهي مظلة ما بعد الكولونيالية، وكذلك هي الحال بالنسبة للدراسات القروسطية، فهي تنتمي بوضوح إلى دراسات ما بعد الكولونيالية. لقد صاغ ألين فرانتزين مصطلح «الأنغلوساكسونية» للمرة الأولى بناء على نموذج سعيد «الاستشراق» لوصف حال الدراسات في الإنكليزية القديمة بأنها غير فاعلة وسابقة للدراسات الأدبية والثقافية، وقد حاول القروسطيون أخيراً إدراج منتجات الثقافة القروسطية ضمن خطاب الحداثة، غير أن مخاوف ظهرت من إمكان تطبيق مفاهيم الحداثة الصارخة على تلك الثقافة القديمة. شهدت الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر، ازدواجية في النظرة تجاه الشرق، فمن جهة تركت الحملات الصليبية سجلاً حافلاً بالكراهية والعدوانية تجاه الشرق لا تظهر فيه إلا بعض محاولات فردية هنا وهناك للتعامل والتفاوض مع الأعداء. ومن جهة أخرى فإن التفكك والضعف الذي حاق بإسبانيا المسلمة أدى إلى انفتاحها ليتدفق منها فيض من الأفكار والنصوص والحوارات باتجاه أوروبا التي بدأت في ذلك الوقت انفتاحها على العالم بطريقة مختلفة عما سبق من عدوان وتوسع باتجاه البلاد الأخرى. تبحث فصول هذا الكتاب في مواضيع عدة مثل الأدب والفن المعماري والتاريخ والمنهجية التي ميزت القرون الوسطى، حيث ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر اتجاهات تدين القوطية، وتدافع عن الكلاسيكية الجديدة في خطاب استغرابي يعتمد نماذج من الثقافات الشرقية، وظهر ذلك جلياً في عدد من الأجناس الثقافية التي أكدها أصحاب النزعة القروسطية كرموز قروسطية مثل الفن المعماري القوطي والأدب الرومانسي القروسطي. بالنسبة للعمارة القوطية فقد كانت تُقرأ على أنها عمارة محلية غربية، فالأقواس التي تميز الأسقف القوطية ترمز إلى الأشجار الضخمة في شمال أوروبا، غير أن تلك القراءة تؤكد أيضاً الهمجية والبربرية التي عُرف بها القوطيون في أوروبا، وفي أحيان أخرى كانت الأقواس القوطية ذات الرؤوس المدببة تُعزى إلى تأثير الشرق الإسلامي والأسلوب الشرقي في البناء الذي أخذ ينتشر في جميع أنحاء أوروبا وخصوصاً في فرنسا. والحال كذلك بالنسبة للأدب القروسطي أو على الأقل الأدب الرومنطيقي القروسطي، إذ اعتبره مؤيدوه سجلاً للتاريخ الوطني لأوروبا، ولكنه أيضاً أدب أجنبي وشرقي على وجه الخصوص في عدد من مفاهيمه، وقد كان رواد الأدب الرومانسي في القرن الثامن عشر يعتزّون بأصوله غير الغربية ويرون في الدفاع عن هذا الأدب دفاعاً عن الفن الروائي بعامة ودفاعاً عن جوهر الإبداع ذاته، ولعل هذا الدفاع المستميت عن هذا النوع من الأدب يرجع إلى الآخرية otherness بشقيها الداخلي والخارجي، فمن جهة هي آخرية الداخل أي الماضي البربري لأوروبا، ومن جهة أخرى هي آخرية الخارج أي نموذج الأدب الشرقي.