مسار التغيير في الشرق الأوسط سيتضح خلال الأشهر القليلة المقبلة. فمن جهة، ثمة احتمال بأن تتبلور اندفاعة رئيسة نحو السلام تشمل إسرائيل وفلسطين وسورية ولبنان. ومن جهة ثانية هناك احتمال آخر باندلاع الحرب على المحور الإسرائيلي - الإيراني أو الإسرائيلي - اللبناني. وبالطبع، أيّ من هذين الاحتمالين قمين بقلب المنطقة رأساً على عقب. وبالتالي، يتعيّن على قادة العالم العربي ألا يألوا جهداً لضمان ألا تقضي طبول الحرب على فرصة السلام هذه. لقد جعل الرئيس الأميركي باراك أوباما تحقيق السلام في الشرق الأوسط على رأس أولويات سياسته الخارجية. ووفقاً لتقارير عدة، يُتوقّع أن يُعلن الرئيس الأميركي عن مبادرة سلام شاملة قبل نهاية شهر رمضان، تستند إلى حصيلة الاجتماعات التي عقدها هو ومبعوثوه خلال الشهور الستة الماضية مع كل الأطراف المعنية، وتتطرق إلى شكل العملية كما إلى مضمونها. من حيث الشكل، يُنتظر أن تستخدم المبادرة أسلوب عقد مؤتمر دولي كبير شبيهاً بمؤتمر مدريد، بحيث يتم لمّ شمل القادة الإقليميين جنباً إلى جنب قادة الدول الأساسيين في الدول الإسلامية والعالم. كما ستتضمن المبادرة أسلوب المفاوضات الثنائية المكثّفة التي يمكن ان تُعقد في كامب ديفيد أو في أمكنة أخرى. ومن شأن هذه المقاربة المزدوجة أن تضع التأثيرات الواسعة لمؤتمر دولي كبير يتضمن مشاركة عالمية ويخلق زخماً قوياً، في بوتقة واحدة مع ضرورة إجراء محادثات ثنائية مكثفة تتضمن مشاركة أميركية قوية بهدف حل الخلافات والتباينات في المواقف ووجهات النظر. أما على صعيد المضمون، فيُحتمل أن يضع أوباما حدود وأطر تسوية السلام النهائي. فعلى المسار الإسرائيلي - الفلسطيني، مثلاً، سيستند الحل إلى خطة الدولتين، وترتيبات أمنية مع ضمانات دولية، وإزالة بعض المستوطنات في الضفة الغربية، وتبادل الأراضي بين إسرائيل وفلسطين، ورسم الحدود النهائية، والاعتراف بحق العودة مع تعويضات مناسبة لأولئك الذين لا يستطعون العودة، وبلورة وضعية للقدس بصفتها عاصمة مزدوجة، مع ضمان الدخول إلى الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود. المسار الإسرائيلي - السوري، سيستند إلى عودة مرتفعات الجولان المحتلة، على أن يشمل ذلك ترتيبات أمنية، واتفاقات تقاسم المياه، وجداول زمنية لتطبيع العلاقات. أما المسار الإسرائيلي – اللبناني، فسيتضمن تسوية النزاعات العالقة حيال الأراضي والموقوفين، ومعالجة قضايا المياه وفق القانون الدولي، وعرض ضمانات أمنية دولية يمكن أن تحمي لبنان من الاختراقات الإسرائيلية المتكررة براً وبحراً وجواً، في مقابل نزع سلاح حزب الله أو دمجه في إطار السلطة اللبنانية. بعد هذه التسويات بين إسرائيل وفلسطين وسورية ولبنان، سيُشرع الباب على مصراعيه أمام دفع مبادرة السلام العربية قدماً إلى الأمام ووضع الصيغ النهائية للسلام بين إسرائيل والدول العربية. إن اندفاعة أوباما ستكون في الغالب قوية ومكثّفة. فالرئيس الأميركي جاد في رغبته انجاز المهمة، وهو يؤمن بأنه قادر عليها ويهدف إلى إنجازها في غضون 12 إلى 18 شهراً. وسيكون أوباما مُعززاً بمؤازرة دولية ضخمة، وسيستخدم أرصدة كبيرة من الموارد السياسية والاقتصادية والديبلوماسية لتحقيق ما عجز آخرون عن تحقيقه. بيد أن عقبات خطرة تعترض أوباما، من بينها الجناح اليميني في إسرائيل. ففي حين تغري نتانياهو فكرة أن يكون القائد الذي يحقق لإسرائيل أخيراً الاعتراف والسلام، إلا أنه يقف ضد إقامة دولة فلسطينية حقيقية وضد تقديم تنازلات تعتبر ضرورية للوصول إلى ذلك. ثم ان هناك أطرافاً أخرى في تحالفه اليميني أكثر معارضة حتى منه لتلبية متطلبات السلام. إن الجناح اليميني في إسرائيل يهدف إلى إنهاك إوباما في مفاوضات تجرجر طويلاً. وربما ينسج البعض في هذا الجناح عريض الآمال بأن تخلق التوترات بينهم وبين الجناح اليميني في إيران فرص تصعيد تُخرِج قطار السلام عن سكّته. والواقع ان الحكومة الإسرائيلية تستخدم الآن بالفعل القضية النووية الإيرانية كقميص عثمان لمقاومة الضغوط الاميركية لتحقيق السلام، وهي لم تخف احتمال شنّها هجوماً عسكرياً على إيران. وبالمثل، يمكن هذا الجناح ان يستخدم إعادة تسلّح حزب الله كذريعة لإشعال حرب أخرى في لبنان. في المقابل، الجناح اليميني في إيران، الذي يشعر بارتباك مماثل من دعوات اوباما إلى السلام والمصالحة، قد يُشجّع حلفاءه في المنطقة على عرقلة العملية. وبذا يستوي الجناحان اليمينيان الإيراني والإسرائيلي من حيث إفادتهما من حرب في المستقبل القريب. إدارة أوباما تعي بالطبع هذه المخاطر، لكنها تأمل بأن ترد إيران في وقت ما قريب على عرضها إجراء محادثات علنية كي يكون في الإمكان التوصّل إلى مقاربات ديبلوماسية مقبولة للمواجهة النووية. وطيلة الأشهر القليلة المقبلة، ستستخدم الولاياتالمتحدة كل نفوذها لمحاولة ضمان ألا تُقدِم إسرائيل على مغامرة عسكرية. بيد أن الوقت بات داهماً: فإذا ما تعثّرت أو توقفت مبادرة السلام بعد إطلاقها وبقيت إيران غير متجاوبة مع الاتصالات، سيكون من المُتعذّر حينها وقف عجلة ديناميات العقوبات والحرب. إذا ما أعلن أوباما مبادرته قريباً، وإذا ما كانت بنودها مقبولة عموماً، سيكون أمام القادة العرب دوراً مهماً ليلعبوه في زعزعة الجناح اليميني في إسرائيل. فهذا الجناح يحيا ويزدهر على مسألة الموقف الرفضي في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي، أمضى سلاح ضده هو ديبلوماسية التواصل المباشر والانفتاح. وهذه من شأنها أن ترمي نتانياهو إلى أشداق الارتباك والضعف، أكثر مما يفعل وابل من مئات صاروخ. ثم: إذا ما كان السلام استراتيجية عربية هي محط إجماع، وإذا ما خلق أوباما الفرص لتوفير تسوية عادلة ودائمة، فيتيعن علينا أن نستخدم كل الأسلحة المتوافرة لنا لتحويل هذا الاحتمال إلى حقيقة. إن هذه قد تكون آخر فرصة للسلام، فإذا ما اغتنمناها سنبني بذلك دولة فلسطينية، وسنبدأ أيضاً في بناء شرق أوسط مسالم ومزدهر. لكن، إذا ما أضعناها، فإننا سنغرق في لجج مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأوسط يتحوّل فيها العالم العربي في شكل متزايد إلى ساحة صراع بين إسرائيل وإيران. * مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.