تعود ألعاب القوى الى برلين، اذ تحتضن العاصمة الألمانية الحدث الأبرز من 15 الى 23 آب (أغسطس) الجاري، بطولة العالم في نسختها ال12. ويتنافس مشاركون من أكثر من 200 بلد على مضمار «كولتور شتاديوم» الأزرق اللون وميادينه، وفي طرق المدينة العريقة وساحاتها وبجوار ومعالمهما، لاسيما بوابة براندبورغ (سباقات المشي والماراثون). برلين التي إفتتحت هذا الموسم مراحل الدوري الذهب «غولدن ليغ» على جائزة المليون دولار، تاريخها حافل بمناسبات «أم الألعاب» العالمية. واذا كانت تحتضن حالياً المؤتمر ال47 للاتحاد الدولي فقد شهدت المؤتمر الثاني عام 1913، وتألق الأميركي «الأسطورة» جيسي أوينز في دورتها الأولمبية عام 1936 حاصداً أربع ذهبيات في الاستاد ذاته، الذي خضع لتأهيل «عصري» لمناسبة كأس العالم لكرة القدم عام 2006. ونظم سباق بدل من بوتسدام الى وسطها عام 1908. ووفي ضوء نتائج المسجلة منذ النسخة الأولى عام 1983 في هلسنكي وحتى النسخة ال11 التي احتضنتها مدينة أوساكا اليابانية عام 2007، تتصدر الولاياتالمتحدة ترتيب الميداليات برصيد 228 ميدالية بينها 110 ذهبيات، تليها روسيا (122 –33) ثم ألمانيا (78 –26) والصين (78 –23) وكينيا (72 –27 كلها في المسافات المتوسطة والطويلة) وجامايكا (67 – 7 غالبيتها في الجري السريع والوثب) وإنكلترا (64 –15). وتحتل ألمانياالشرقية (توقفت مشاركاتها بعد عام1987) المركز السابع (51 –18)، متقدمة إثيوبيا (41 –16 مسافات طويلة) وكوبا «الجزيرة الصغيرة» (39 –17). وريث النجومية وطبعاً، يقود «الكتيبة الكوبية» العداء الأولمبي في ال110 أمتار حواجز دايرون روبلس حامل الرقم القياسي العالمي (12.87ث)، وصاحب أفضل أرقام في الموسم الحالي (يستعد حالياً في اسبانيا). وروبلس (22 سنة) نتاج برنامج إكتشاف المواهب في بلده الشيوعي، والبالغة حصيلته 37 ميدالية أولمبية (10 ذهب، 13 فضة و14 برونز) في ألعاب القوى منذ عام 1964. وهو وريث النجومية التي كرّسها العداء ألبرتو خوانتورينا (400 و800م ) وايفان بدروزو (الوثب الطويل) وخافيير سوتومايور (حامل الرقم القياسي العالمي في الوثب العالي 2.45م – 27 تموز/يوليو 1993 في سالامنكا). انه ابن الجزيرة البالغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، التي يضربها حصار أميركي منذ عام 1962، ورصيدها الأولمبي 29 ذهبية و27 فضية و24 برونزية في الدورات الثلاث الأخيرة. وكانت تعيش عموماً على مساعدات سوفياتية بلغت 65 بليون دولار من 1960 الى 1990. لكن المعطيات إختلفت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. في هافانا يقيم روبلس مع عمته، ويتدرّب على مضمار جدده الاتحاد الدولي لألعاب القوى استعداداً لدورة الألعاب الأميركية عام 1991. وتفتحت موهبة روبلس في مركز كوردوفا كاردن الذي يستقطب 1600 رياضي من النخبة من فئتي الناشئين والكبار. ويتابعه عن كثب المدرب أنطونيز والطبيب بيريز وطبيب نفساني ومدلّك كان أول من شخّص «علة» إصاباته وآلامه، أي حال قدميه المفلّطحتين. ومزاولة الرياضة في كوبا مجانية منذ عام 1960. ويمر برنامج إكتشاف المواهب بمراحل عدة، أولها إستقطاب الصغار منذ سن الخامسة، ثم تُباشر خطوات المتابعة في سن ال11، ويتم إدخال المؤهلين بدءاً من سن ال15 الى مراكز إعداد متطورة. انه الهرم الرياضي نحو أداء متقدم وتحقيق ألقاب عالمية. ويجرّب الأطفال ألعاباً عدة كما يوضح ايرالدو سوتولونغو، مدير مركز هافانا الرياضي، «ثم يُوجهون الى مدارس متخصصة في ضوء مقوماتهم البنيوية. فمثلاً كان روبلس يفضّل الوثب العالي، ونُصح بجري سباقات الحواجز وسلك الطريق». ويُعنى بتخريج المواهب 78 ألف مدرّس للتربية الرياضية و1600 مدرب لألعاب القوى، منهم أنطونيز خريج المدرسة الأوروبية الشرقية. فبين العامين 1960 و1970 تولّى إختصاصيون من الاتحاد السوفياتي وألمانياالشرقية وبولندا الأجهزة التدريبية الكوبية وصقلوها. ثم تخصص الكوبيون المجلّون في بلدان أوروبا الشرقية، كما يوضح خيسوس مولينا الأمين العام السابق لإتحاد ألعاب القوى. وهم يفيدون الآن بخبراتهم بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا. وتقدّم كوبا لأبطالها أمثال روبلس منزلاً وسيارة. وهو منح المنزل الذي تقطن فيه والدته حالياً، عقب إحرازه لقب دورة الألعاب الأميركية عام 2007. أما ما يحصل عليه من جوائز وعائدات تقدّر بالآف الدولارات على غرار نجوم آخرين، فتذهب الى صندوق خاص تموّل كوبا من خلاله برامجها الرياضية. وفي المقابل، تخصص لحملة الألقاب العالمية والأولمبية نسبة مئوية تُعتبر بمثابة حوافز، فضلاً عن مبالغ أخرى ترد روبلس مثلاً وتغض الحكومة الطرف عنها. ويلفت رئيس اللجنة الأولمبية الكوبية البطل السابق ألبرتو خوانتورينا (ذهبيتا ال400 وال800 م في دورة مونتريال الأولمبية عام 1976) الى أن «الأبطال يكلّفون أموالاً طائلة، الدولة تنفق على تنشئتهم وإعدادهم. لذا فهم مدينون لها». من جهته، يتحسر روبلس كلما عاد الى وطنه من أوروبا، حيث «أعاين مباني بلادي المتهالكة بسبب الحصار. وأفخر في الوقت ذاته لان الدولة منحتني شرف أن أكون بطلاً كبيراً». حظوظ بحرينية أنثوية تبدو حظوظ البحرينية مريم جمال قوية للاحتفاظ بلقبها في سباق ال1500م. وهي تتصدر التصنيف العالمي بعد تحقيقها أسرع زمن (3.56.55 دقيقة) علماً أن رقمها الشخصي مقداره 3.56.18 د. ونجحت جمال (24 سنة) تخطي حاجز ال4 دقائق ثلاث مرات متتالية هذا الموسم مؤكدة جهوزها, وكانت حققت المركز الأول في ملتقيات روما وأثينا وموناكو. كما أنها مؤهلة للمشاركة أيضاً في منافسات سباق ال800 م (رقمها الشخصي 1.57.80 د). من جهتها ستكون رقية الغسرة مرشحة لتحقيق مفاجأة في منافسات ال200 متر, باعتبار أن أسرع عداءة عربية وآسيوية جاهزة لخوض التحدي العالمي بعد أن كانت العربية الوحيدة التي تألقت في منافسات دورة بكين الأولمبية العام الماضي، وعبرت الى الدور نصف النهائي وأضحت أول عربية تبلغ هذا الدور. وتأهلت الغسرة (26 سنة) إلى سباق ال200م ورقمها الشخصي 22.65 ثانية, أما رقمها في ال100م فيبلغ 11.12 ث. واستعدت الغسرة لمونديال برلين من خلال معسكر تدريبي في إيطاليا بقيادة المدرب الجزائري نور الدين طاجين. وهي غابت عن بطولة العالم في أوساكا قبل عامين, إثر تعرضها لإصابة في معسكر إعدادي في فرنسا خلال إحدى الملتقيات, اذ أصيبت بتمزق في عضلة رجلها أبعدتها عن المضمار أكثر من ثمانية شهور. ____________________ * لمتابعة أخبار "العاب القوى - 12": http://berlin.iaaf.org