أخيراً وبعد مفاوضات ماراثونية اتفقت أطياف المعارضة السورية على توحيد صفوفها في «ائتلاف وطني»، لكن بعض السوريين يخشون أن تحاول جماعة الإخوان المسلمين السورية الاحتفاظ بالنفوذ نفسه الذي كان لها في «المجلس الوطني السوري». ووافق المجلس الوطني الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون المدعومون من قطر تحت ضغط شديد من الدوحةوالولاياتالمتحدة، على أن يصبح «أقلية» في كيان أوسع نطاقاً هو «الائتلاف الوطني» السوري. وسيحاول الكيان الجديد نيل اعتراف دولي بأنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ويكون هو المتلقي الرئيسي للدعم السياسي والإنساني والعسكري للانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد. وقال ديبلوماسي على هامش محادثات الدوحة، إن الإخوان المسلمين في سورية -الذين وصل أقرانهم في مصر وتونس الى سدة الحكم- كانوا الكتلة التي بوسعها إنجاح الاتفاق أو إفشاله. وبعد أن استشعروا في اجتماعات الدوحة، حيث شارك عدد كبير من الديبلوماسيين الأميركيين والغربيين وديبلوماسيي دول أخرى في المحادثات التي استمرت أسبوعاً، أن الرياح السياسية تميل لمصلحة تنظيم جديد للمعارضة وافق الإخوان المسلمون في سورية على الائتلاف الوطني. ويبدو أن المعارضة للكيان الجديد كانت تأتي من جانب شخصيات علمانية، مثل زعيم المجلس الوطني الناشط المسيحي جورج صبرا. وقال فاروق طيفور، وهو شخصية بارزة من الإخوان المسلمين ونائب رئيس المجلس، إن الإخوان المسلمين لن يحتكروا السلطة في الساحة السياسية وإدارة الفترة المقبلة. وأضاف أن الإخوان سيكونون جزءاً من إطار سوري شامل لإعادة بناء البلاد وشفاء الجروح التي خلّفها حكم أسرة الأسد. وكما حدث في مصر خلال الأشهر الأولى بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك حاول الإخوان المسلمون في سورية التخفيف من نفوذهم على المجلس الوطني السوري حتى لا يُفزعوا الداعمين الغربيين. لكن تصاعدت الاتهامات الموجهة لهم بأنهم يهيمنون على المجلس من خلال ممارسة النفوذ على إسلاميين مستقلين ويوجهون الأموال إلى جماعات ذات حظوة لديهم داخل سورية حتى تعزز من وجودها. ومن المتوقع أن يشغل المجلس الوطني السوري نحو خمسي مقاعد الائتلاف الوطني السوري الجديد، التي يبلغ عددها حوالى 60 مقعداً، ومن ثم فمن المنتظر أن يتقلص نفوذ الإخوان المسلمين ولو على الورق. وانتخب معاذ الخطيب، وهو رجل دين من دمشق يحظى بشعبية، أولَ رئيس للائتلاف. والخطيب (50 عاماً) كان ضيفاً دائماً على شاشات قناة الجزيرة الفضائية التي تستخدمها قطر للترويج لإسلاميين لهم علاقة بالإخوان وتسهيل قبول الولاياتالمتحدة للشبكة الإسلامية. وقال حسن حسن، وهو معلق سوري يعيش في الإمارات، إنه يعتقد أن الخطيب مستقل حقاً ولا ينضوي تحت لواء الإخوان المسلمين، لكن من غير الواضح بعد هل ستكون الجماعة قادرة على الهيمنة على الائتلاف الوطني الجديد. وأضاف: «هذا سؤال المليون جنيه». واستطرد أنه حين طرحت الولاياتالمتحدة هذه الخطة الجديدة، عَلِمَ الاخوان المسلمون انه لن يكون بوسعهم الإصرار على بقاء المجلس الوطني السوري ولذلك بدأوا يبنون لنفسهم مكاناً جديداً في الائتلاف ونجحوا في ذلك. واستقال عدد كبير من الشخصيات البارزة في المجلس الوطني خلال الأشهر القليلة الماضية، شاكين من أن الإسلاميين يهمشون الأقليات والمرأة. وغادر ثلاثة آخرون محادثات الدوحة من بينهم أديب الشيشكلي مؤسس المجلس الوطني، وعبّروا عن غضبهم من عدم تمكين المرأة من الوصول إلى الأمانة العامة الجديدة للمجلس الوطني التي انتخبت الأسبوع الماضي. ويقول الإخوان المسلمون، الذين تأسس فرعهم في سورية عام 1936، إنهم ببساطة منظمون اكفاء، ويقر بعض شخصيات المعارضة أن قدراً كبيراً من التذمر يرجع إلى أسباب شخصية من أفراد لا يحظون بشعبية. وقال عضو عن الانسحابات التي حدثت الأسبوع الماضي: «لقد قالوا إن المجلس أصبح مجلساً للإخوان المسلمين. لكن بكل صدق، أعتقد أن ذلك حدث لأنهم لم ينتخبوا (للأمانة العامة)». لكن رغم ذلك، ظلت شخصيات تتمتع بالاحترام في الائتلاف الجديد تشعر بعدم ثقة في الإسلاميين بغض النظر عما يصرحون به. وقال هيثم المالح المعارض اليساري، إن الإخوان المسلمين لم ينفتحوا على الجماعات الأخرى، رغم أنهم قالوا من قبل إنهم سيفعلون ذلك، وإنه يجب الضغط عليهم حتى يصبحوا أكثر انفتاحاً. ويشك العلمانيون في موقف الإسلاميين من المرأة ومن غير المسلمين في انتفاضة شابتها الطائفية. وساند الأسد مسيحيون ودروز وشيعة من بينهم العلويون الذين ينتمي اليهم وتخشى هذه القطاعات مما قد ينتظرها من أغلبية سنية واقعة تحت تأثير الإسلاميين. وتدفق مقاتلون من «القاعدة» في العراق وجهاديون من دول أخرى على سورية للقتال ضد حاكم يعتبرونه كافراً. واشتبك الإخوان المسلمون مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عام 1982 وقتل الآلاف في انتفاضة فاشلة. وحينها عملت الجماعة بلا كلل للوصول بنفوذها إلى العامة من خلال المساجد والمعاهد الدينية رغم كونها جماعة محظورة. وأصبحت سورية، التي كانت تفخر بنفسها يوماً كقلعة للقومية العربية العلمانية، دولة محافظة دينياً. وعملت جماعة الإخوان المسلمين على الابتعاد عن الجماعات الجهادية والطائفية في سورية وحاولت شخصيات المعارضة بصفة عامة في الدوحة التهوين من مخاوف الغرب بشأن التشدد. ونفى قائد عسكري من المعارضة المخاوف بشأن جبهة النصرة وهي جماعة سلفية نفذت هجمات انتحارية، قائلاً إنها مجرد جماعة «إسلاميين منظمين». ويقول حسن إن المعارضين مازالوا قلقين من أن ينجح الإخوان المسلمون بمساعدة قطر في إقناع القوى الغربية بأنهم مؤثرون وأصحاب نفوذ على الأرض مثل الإخوان المسلمين في مصر وهو زعم يشكك فيه. وقال إن السوريين أصبح لديهم فجأة ثورة وعدد كبير من الجماعات تصور نفسها على أنها صاحبة النفوذ الأكبر في المجتمع لكن 70 في المئة تقريباً من المجتمع السوري خارج عن نطاق سيطرة الإخوان المسلمين إذا وضعت في الاعتبار الأقليات الدينية والأكراد والعشائر.